من حفاضات إلى أكياس نايلون .. كرامة الطفولة تحت الحصار

mainThumb
من حفاضات إلى أكياس نايلون.. كرامة الطفولة تحت الحصار

12-07-2025 10:14 AM

printIcon

أخبار اليوم - في أحد أحياء غزة الشرقية، تجلس "أم محمد السرساوي" على مدخل خيمتها المصنوعة من النايلون والبطانيات القديمة، تحت أشعة الشمس الحارقة، تنشر فوطًا قماشية صغيرة على حبل غسيل مشدود بين عمودين.

ليست هذه الفوط لتنظيف المنزل، بل بدائل مؤلمة لما لم تعد قادرة على شرائه: الحفاضات.

تقول بنبرة يختلط فيها الخجل بالقهر: "حفاضة واحدة صارت بعشرة شواقل، يعني ما يقارب 2.7 دولار، وابني بيحتاج خمس حفاضات باليوم. لو بدي أشتريه أسبوع بس، لازم أدفع أكتر من 300 شيكل، وأنا ما معي أشتري حتى خبز."

سعر الحفاضة يحاصر الأمهات

منذ بداية الحرب على غزة قبل أكثر من عام ونصف، انهارت سلاسل التوريد، وأُغلقت المعابر، فاختفت الكثير من السلع الأساسية، وعلى رأسها حفاضات الأطفال.

وما تبقّى منها في السوق السوداء وصل إلى أسعار فلكية.

تقول أم ريان الحاج، نازحة من حي الشجاعية لصحيفة "فلسطين": "كنا نشتري كيس الحفاضات بـ30 شيكل، حاليًا الكيس تجاوز 250 شيكل. والله مرة اشتريت حفاضين فقط بـ20 شيكل. حطيتهم للطوارئ، وباقي اليوم أضطر أستخدم كيس نايلون بداخله سروال قماشي وألفه حول خصره."

بدائل غير صحية

لم تجد كثير من الأمهات بديلاً سوى العودة للطرق التقليدية التي استخدمتها الجدات: قصّ الملابس البالية وتحويلها إلى فوط، وغسلها عدة مرات يوميًا، وتجفيفها تحت الشمس. أو استخدام أكياس النايلون داخل سراويل قماشية لتقليل التسرب.

وفي حالات أكثر قسوة، تدريب الأطفال على استخدام الحمام قبل الأوان، رغم عدم تجاوزهم عامهم الأول.

تقول سارة أبو جهل (37 عامًا) من تل الهوى: "صرت أعلّم طفلتي على الحمام بعمر السنة وثلاثة شهور. مرات كثيرة تتبول على نفسها، وقلبي يتقطع وأنا بنظفها، بس شو نعمل؟ ما معنا نشتري حفاضة."

تجلس إيمان أبو العطا (29 عامًا)، وهي أم لطفلين، أمام خيمة نزوحها في شارع الوحدة، تحضن طفلها الرضيع الذي لم يتجاوز ستة أشهر. تقول: "ابني يعاني من تسلخات لأنني أغيّر له حفاضة واحدة فقط في اليوم. كيس الحفاضات وصل 300 شيكل! من وين أجيب؟"

تضيف إيمان أن زوجها فقد عمله منذ بدء الحرب، ولا يتلقون أي مساعدات منتظمة، وتضطر أحيانًا لاستخدام قطع القماش بدلًا من الحفاضات التجارية، رغم خطر التلوث وسوء النظافة.

أما لينا أبو الخير من حي الشيخ رضوان، وهي أم لثلاثة أطفال، فتقول بحسرة: "جربت أستخدم فوط نسائية أضعها داخل كيس نايلون وألفها على شكل حفاضة، لكن طفلتي الصغيرة كانت تتحسس وتبكي من الوجع. سبّبت لها التهابات شديدة، لدرجة خروج دم أحيانًا، وليس لدي مرهم أو دواء. أكتفي بغسل المنطقة ووضع القليل من الزيت والنشا."

الحفاضات... من ضرورات إلى كماليات

وفق تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن أسعار منتجات النظافة في قطاع غزة ارتفعت بأكثر من 600% خلال الأشهر الأخيرة، في وقتٍ يعاني فيه أكثر من 70% من الأطفال دون سن الخامسة من انعدام مستلزمات النظافة الشخصية، وعلى رأسها الحفاضات.

وأكد تقرير مشترك صادر عن يونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في مايو 2025، أن أكثر من 690,000 امرأة وفتاة في غزة يحتجن إلى مساعدات نظافة عاجلة، تشمل الفوط الصحية، حفاضات الأطفال، مناديل التنظيف، والمياه النقية.

مخاطر صحية جسيمة

لم تعد مسألة الحفاضات ترفًا أو راحة شخصية، بل تحوّلت إلى تهديد مباشر لصحة الأطفال. فعدم تغيير الحفاضات بانتظام، أو استخدام بدائل غير صحية، يرفع من خطر الإصابة بالطفح الجلدي، والالتهابات، والإسهال، خاصة في بيئة تعاني من نقص حاد في المياه النظيفة والمعقمات والمراهم الطبية.

تُجمع شهادات الأمهات على أن الكرامة الإنسانية باتت سلعة نادرة في غزة، حيث تُجبر الأم على الاختيار بين ألم طفلها، أو إذلال العجز.



فلسطين أون لاين