د. عايش النوايسة / خبيرٌ ومستشارٌ تربويٌّ
تَفْرِضُ التَّطَوُّرَاتُ الرَّقْمِيَّةُ، وَمَا يَرْتَبِطُ مِنْهَا بِشَكْلٍ خَاصٍّ بِالذَّكَاءِ الصِّنَاعِيِّ، تَحَوُّلًا كَبِيرًا فِي جَمِيعِ النُّظُمِ، وَمِنْهَا التَّعْلِيمُ الَّذِي وَجَدَ نَفْسَهُ أَمَامَ تَحَدٍّ كَبِيرٍ يَرْتَبِطُ بِالتَّحَوُّلِ مِنَ الطَّرِيقَةِ التَّقْلِيدِيَّةِ إِلَى نَمَطٍ جَدِيدٍ نَشِطٍ يَتَمَحْوَرُ حَوْلَ الطَّلَبَةِ بِطُرُقٍ وَأَدَوَاتٍ جَدِيدَةٍ؛ إِذْ إِنَّ الطُّرُقَ النَّمَطِيَّةَ التَّقْلِيدِيَّةَ لَمْ تَعُدْ قَادِرَةً عَلَى مُوَاجَهَةِ التَّغَيُّرَاتِ أَوْ تَقْدِيمِ تَعْلِيمٍ نَوْعِيٍّ يَتَلَاءَمُ مَعَ طَبِيعَةِ العَصْرِ وَاحْتِيَاجَاتِ المُتَعَلِّمِينَ وَاهْتِمَامَاتِهِمُ المُخْتَلِفَةِ.
وَيَظْهَرُ اسْتِخْدَامُ الأَنْظِمَةِ الذَّكِيَّةِ المُرْتَبِطَةِ بِالذَّكَاءِ الصِّنَاعِيِّ فِي عَمَلِيَّةِ التَّعْلِيمِ انْعِكَاسَاتٍ إِيجَابِيَّةً كَبِيرَةً؛ حَيْثُ تُوَفِّرُ هَذِهِ الأَنْظِمَةُ تَعْلِيمًا يُرَاعِي الاِحْتِيَاجَاتِ الفَرْدِيَّةَ لِلطَّلَبَةِ، وَيَعْمَلُ عَلَى مُعَالَجَتِهَا. تَعْتَمِدُ الأَنْظِمَةُ الذَّكِيَّةُ عَلَى الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ لِتَحْلِيلِ مُسْتَوَى الطَّالِبِ، وَتَحْدِيدِ نِقَاطِ قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ، وَبِالتَّالِي تَصْمِيمُ تَعْلِيمٍ يَتَنَاسَبُ مَعَ قُدُرَاتِهِ وَاحْتِيَاجَاتِهِ. فَإِذَا كَانَ الطَّالِبُ ضَعِيفًا فِي الرِّيَاضِيَّاتِ - عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ - يُقَدِّمُ لَهُ النِّظَامُ تَمَارِينَ إِضَافِيَّةً بِأُسْلُوبٍ مُبَسَّطٍ يُسَاعِدُهُ عَلَى الفَهْمِ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ، وَيُرَكِّزُ عَلَى مُعَالَجَةِ نِقَاطِ ضَعْفِهِ. كَمَا أَنَّ هَذِهِ الأَنْظِمَةَ تَجْعَلُ عَمَلِيَّةَ التَّعْلِيمِ أَكْثَرَ مُتْعَةً؛ مِنْ خِلَالِ التَّنَوُّعِ فِي الوَسَائِلِ وَالأَنْشِطَةِ، وَاسْتِخْدَامِ الأَلْعَابِ وَغَيْرِهَا مِنَ الأَدَوَاتِ الَّتِي تُحَفِّزُ الطَّلَبَةَ، وَتُوَلِّدُ لَدَيْهِمْ دَافِعِيَّةً أَعْلَى لِلتَّعَلُّمِ.
يُقَدِّمُ هَذَا النِّظَامُ تَغْذِيَةً رَاجِعَةً فَوْرِيَّةً لِلطَّلَبَةِ لِتَصْحِيحِ مَسَارِ تَعَلُّمِهِمْ، مِمَّا يَنْعَكِسُ إِيجَابًا عَلَى أَدَائِهِمْ. كَمَا يُخَفِّفُ مِنْ عِبْءِ المُعَلِّمِ؛ حَيْثُ يُتِيحُ لَهُ التَّرْكِيزَ عَلَى تَقْدِيمِ الدَّعْمِ لِتَحْسِينِ تَعَلُّمِ الطَّلَبَةِ. عَلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ، يُوَفِّرُ التَّعْلِيمُ الذَّكِيُّ مُرُونَةً كَبِيرَةً؛ إِذْ يَخْتَصِرُ قُيُودَ المَكَانِ وَالزَّمَانِ، مِمَّا يَسْمَحُ لِلطَّلَبَةِ وَالمُعَلِّمِينَ بِمُمَارَسَةِ أَنْشِطَةِ التَّعْلِيمِ دُونَ التَّقَيُّدِ بِحِصَّةٍ صَفِّيَّةٍ تَقْلِيدِيَّةٍ. وَيُتِيحُ هَذَا النِّظَامُ مِسَاحَةً أَكْبَرَ لِلْإِبْدَاعِ، وَيُشْرِكُ أَوْلِيَاءَ الأُمُورِ بِشَكْلٍ أَكْبَرَ فِي تَحَمُّلِ مَسْؤُولِيَّةِ تَعَلُّمِ أَبْنَائِهِمْ. كَمَا يَدْعَمُ تَعَلُّمَ الطَّلَبَةِ ذَوِي الاِحْتِيَاجَاتِ الخَاصَّةِ، مِنْ خِلَالِ تَوْفِيرِ أَنْظِمَةٍ ذَكِيَّةٍ تَشْمَلُ الصَّوْتَ وَالصُّورَةَ، وَتُتِيحُ لِلْمُعَلِّمِ وَالمُتَعَلِّمِ حُرِّيَّةَ التَّحَكُّمِ فِيهَا.
وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ التَّعْلِيمِ يَحْتَاجُ إِلَى بِيئَةٍ مُنَاسِبَةٍ تَشْمَلُ بِنْيَةً تَحْتِيَّةً تِكْنُولُوجِيَّةً مُتَطَوِّرَةً، مِثْلَ تَوْفِيرِ الإِنْتَرْنِتْ عَالِي السُّرْعَةِ لِضَمَانِ تَشْغِيلِ الأَنْظِمَةِ الذَّكِيَّةِ بِسَلَاسَةٍ، وَتَزْوِيدِ المَدَارِسِ بِأَجْهِزَةٍ مِثْلِ الحَوَاسِيبِ اللَّوْحِيَّةِ (Tablets)، وَالسَّبُّورَاتِ الذَّكِيَّةِ، وَأَجْهِزَةِ الوَاقِعِ الاِفْتِرَاضِيِّ (VR) لِتَحْسِينِ تَجْرِبَةِ التَّعَلُّمِ. كَمَا يَتَطَلَّبُ اسْتِخْدَامَ مَنَصَّاتٍ تَعْلِيمِيَّةٍ تَعْتَمِدُ عَلَى الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ لِتَحْلِيلِ مُسْتَوَى الطَّالِبِ وَتَقْدِيمِ مُحْتَوًى مُخَصَّصٍ. وَمِنَ الضَّرُورِيِّ تَدْرِيبُ المُعَلِّمِينَ عَلَى اسْتِخْدَامِ أَنْظِمَةِ التَّعْلِيمِ الذَّكِيِّ، وَتَطْبِيقِ أَدَوَاتٍ مِثْلِ تَحْلِيلِ البَيَانَاتِ وَالتَّعْلِيمِ التَّفَاعُلِيِّ.
إِضَافَةً إِلَى ذَلِكَ، يَجِبُ تَطْوِيرُ المَنَاهِجِ الدِّرَاسِيَّةِ التَّقْلِيدِيَّةِ لِتَكُونَ مُتَوَافِقَةً مَعَ الأَنْظِمَةِ الذَّكِيَّةِ، وَاسْتِخْدَامُ تِقْنِيَّاتٍ مِثْلِ الأَلْعَابِ التَّعْلِيمِيَّةِ (Gamification)، وَمَقَاطِعِ الفِيدْيُو التَّفَاعُلِيَّةِ، وَالاِخْتِبَارَاتِ المُخَصَّصَةِ لِتُنَاسِبَ القُدُرَاتِ الفَرْدِيَّةَ لِلطَّلَبَةِ. كَمَا يَنْبَغِي تَوْعِيَةُ أَوْلِيَاءِ الأُمُورِ بِأَهَمِّيَّةِ التَّعْلِيمِ الذَّكِيِّ، وَكَيْفِيَّةِ دَعْمِ وَمُسَانَدَةِ أَبْنَائِهِمْ فِي المَنْزِلِ. وَلَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ آلِيَّاتٍ دَقِيقَةٍ لِقِيَاسِ تَأْثِيرِ التَّعْلِيمِ الذَّكِيِّ عَلَى أَدَاءِ الطُّلَّابِ، وَالاِسْتِفَادَةِ مِنَ البَيَانَاتِ الَّتِي يَتِمُّ جَمْعُهَا مِنَ الأَنْظِمَةِ الذَّكِيَّةِ لِتَحْسِينِ وَتَطْوِيرِ أَدَائِهِمْ بِشَكْلٍ مُسْتَمِرٍّ.
وَهَذَا كَفِيلٌ بِأَنْ يَجْعَلَ التَّعْلِيمَ مُوَاكِبًا لِلتَّطَوُّرَاتِ، وَمُتَوَائِمًا مَعَ حَاجَاتِ سُوقِ العَمَلِ، مِمَّا يُسْهِمُ فِي إِيجَادِ فُرَصِ عَمَلٍ، وَتَحْقِيقِ الرَّفَاهِ الاِقْتِصَادِيِّ وَالاِجْتِمَاعِيِّ المَنْشُودِ.