نضال في العتمة .. نادر بشير يقود حقوق المكفوفين وسط دمار غزة

mainThumb
نضال في العتمة.. نادر بشير يقود حقوق المكفوفين وسط دمار غزة

24-08-2025 09:39 AM

printIcon

أخبار اليوم - في شقة صغيرة بأحد الأحياء المدمرة في مدينة غزة، يجلس نادر بشير، خمسيني وُلد فاقدًا للبصر، لكن ذلك لم يمنعه يومًا من أن يصبح صوتًا مرتفعًا لذوي الإعاقة البصرية في القطاع.

نادر، الذي حصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال رغم إعاقته، لم يتوقف منذ عام 2006 عن النضال من أجل حقوق المكفوفين، واليوم يقف شاهدًا على واحدة من أكثر الفصول مأساوية في حياتهم بعد حرب الإبادة الأخيرة.

يقول نادر بصوت متهدج: "كنا نعيش مهمشين قبل الحرب، لكن ما يحدث الآن تجاوز كل حدود الإنسانية. لا توجد حقوق دولية تحمينا، لا ممرات آمنة، لا أماكن إيواء تراعي احتياجاتنا، ولا أدوية أو أدوات مساعدة تدخل القطاع منذ أشهر طويلة. نحن عالقون في العتمة الحقيقية."

معاناة مضاعفة

نادر، الذي يترأس رابطة الخريجين المعاقين بصريًا، يروي تفاصيل صادمة عن وضع ذوي الإعاقة البصرية في غزة. الحرب لم تقتصر على حرمانهم من التعليم والعمل، بل امتدت لتسلبهم أبسط الحقوق الأساسية كالتنقل والحصول على الدواء أو إيجاد مأوى آمن.

يوضح: "الكفيف يحتاج إلى بيئة مستقرة ليتأقلم مع تفاصيلها، يعرف طريقه إلى الباب أو المطبخ أو الفراش. لكن في ظل النزوح المتكرر، نصبح كالغرباء في كل مكان، نصطدم بالأشياء، نسقط أرضًا، ونفقد شعورنا بالاستقلالية. النزوح بالنسبة لنا ليس مجرد انتقال مكاني، بل فقدان كامل للحياة التي بنيناها بخطوات وعصا."

شهادات صادمة

وفقًا لتقديرات منظمات محلية، هناك أكثر من 10 آلاف شخص من ذوي الإعاقة البصرية في غزة. الحرب الأخيرة أضافت أعدادًا جديدة لهذه الفئة، إذ تشير تقارير وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن أكثر من 1500 شخص أصيبوا بالعمى الدائم بسبب القصف، فيما يعاني نحو 4000 آخرون من مشكلات بصرية خطيرة تتطلب تدخلًا عاجلًا.

منظمة الصحة العالمية أكدت في بيان حديث أن الأشخاص ذوي الإعاقة، وخاصة ذوي الإعاقة البصرية، من أكثر الفئات تضررًا في النزاعات، حيث يُحرمون من الخدمات الصحية والتعليمية، ويواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى المساعدات.

أما مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد شددت على ضرورة توفير ممرات آمنة وخدمات خاصة للمكفوفين خلال النزوح، باعتبارهم من الفئات الأكثر هشاشة. لكن هذه النداءات بقيت، كما يقول نادر، "حبراً على ورق لا يصل إلينا في غزة."



التعليم المفقود

قبل الحرب، كان نادر يفتخر بمتابعة عشرات الطلبة المكفوفين في جامعات ومدارس غزة، حيث كانوا يستخدمون مناهج مطبوعة بطريقة برايل وأجهزة ناطقة ساعدت على اندماجهم. اليوم، انهار كل ذلك، فقد حُرم أكثر من 300 طالب كفيف من التعليم بعد توقف المؤسسات القليلة التي كانت توفر لهم الدعم.

يقول نادر: "الطلاب المكفوفون أصبحوا بلا كتب، بلا أجهزة، بلا معلمين متخصصين. كل ما بنيناه خلال سنوات انهار في شهور قليلة. من المؤلم أن ترى حلم جيل كامل يتبخر أمام عينيك العاجزتين."

القصف المتكرر لم يميز بين بيوت الفقراء أو ذوي الإعاقة، بل طال الجميع بلا استثناء. لكن نادر يوضح أن الكفيف يتعرض لهشاشة مضاعفة: "حين تقصف المنازل، نحن آخر من ينجو، لأننا لا نعرف أين نهرب أو كيف نهتدي للطريق. حتى في مراكز الإيواء، لا توجد ترتيبات خاصة لنا، فنصطدم بجدران الحمامات المتهالكة، ونتعثر في الخيام المزدحمة."

لجنة حقوق الإنسان الفلسطينية حذرت من أن ذوي الإعاقة في غزة يتعرضون لانتهاك صارخ لحقوقهم، ودعت إلى إدراجهم ضمن خطط الاستجابة الإنسانية العاجلة.

رغم كل هذا الظلام، لا يزال نادر يحمل شعلة الأمل، يقود حملات توعية، ويكتب بيانات، ويتواصل مع المؤسسات الدولية، وإن كان يعترف أن الاستجابة ما تزال محدودة.

يقول: "لسنا أرقامًا في تقارير، نحن بشر نريد أن نعيش بكرامة. نحتاج إلى أدوات مساعدة، إلى تعليم، إلى حماية. ما نطالب به ليس ترفًا، بل حقوقًا أساسية أقرتها القوانين الدولية."

قصة نادر ليست مجرد سيرة شخصية، بل تجسد مأساة جماعية لفئة بأكملها في غزة. بينما يعيش المكفوفون حول العالم حياة طبيعية نسبيًا بفضل التكنولوجيا والدعم المجتمعي، يعيش مكفوفو غزة في عزلة مضاعفة، يواجهون حربًا لا ترحم، وحصارًا لا ينتهي، وصمتًا عالميًا يزيد عتمتهم سوادًا.

 فلسطين أون لاين