ما هو الانشطار النفسي والانفصال عن الواقع؟

mainThumb

08-09-2025 10:21 AM

printIcon

(أخبار اليوم – تالا الفقيه)

تشرح الدكتورة رولا بزادوغ أن الانشطار النفسي والانفصال عن الواقع يُعدان من أبرز الآثار التي قد تخلّفها الصدمات النفسية العميقة على الأفراد، وهما آليتان دفاعيتان يلجأ إليهما العقل لحماية النفس من الألم النفسي الشديد.

فالانشطار النفسي، بحسب بزادوغ، هو آلية لا شعورية يظهر من خلالها إدراك الإنسان للأشخاص أو المواقف أو حتى ذاته بطريقة متطرفة، إمّا مثالية تمامًا أو سيئة تمامًا، دون القدرة على إدراك أن الأشياء والناس قد تحمل صفات متناقضة في آن واحد. هذا النمط من التفكير قد يبدو بسيطًا، لكنه في جوهره وسيلة للتعامل مع مشاعر داخلية معقدة.

أما الانفصال عن الواقع، فيتجلى عندما يتعرض الفرد لصدمات شديدة مثل الاعتداء أو الحروب أو الإهمال العاطفي. هنا يبدأ الشخص بالهروب النفسي عبر الانفصال عن محيطه، فيشعر وكأنه في حلم أو يراقب نفسه من الخارج. كما يعاني من صعوبة في تكوين ذكريات مترابطة، وقد يفقد القدرة على التمييز بين الواقع والخيال، وهو ما يظهر بشكل واضح لدى من يعانون من اضطراب كرب ما بعد الصدمة (PTSD).

وتشير بزادوغ إلى أن أبرز الأعراض تشمل: تقلبات مفاجئة في تقييم الأشخاص (مثالي/خائن)، علاقات متوترة وغير مستقرة، تفكير ثنائي قائم على الأبيض والأسود، شعور دائم بالخوف من الهجر أو الخذلان، فقدان الإحساس بالزمن أو المكان، صعوبة تذكر تفاصيل الصدمة، إضافة إلى الإحساس بالفراغ أو الانفصال عن الذات.

أما الأسباب، فتعود إلى تجارب الطفولة المبكرة مثل الإهمال العاطفي وفقدان الأمان، أو الصدمات الحياتية العنيفة، أو الاضطرابات الأسرية المزمنة، فضلًا عن بعض الاضطرابات النفسية كاضطراب الشخصية الحدية أو النرجسية. غير أن اضطراب ما بعد الصدمة يبقى السبب الأكثر شيوعًا لهذه الحالات.

وتوضح بزادوغ أن خطورة الانفصال والانشطار تكمن حين يعطلان الحياة اليومية للفرد، ويؤثران على قراراته وهويته وعلاقاته الاجتماعية، وقد يصل الأمر إلى نوبات فقدان ذاكرة أو شعور بالانفصال الكامل عن الذات.

أما العلاج، فمتعدد ويشمل العلاج السلوكي الجدلي (DBT) لمعالجة التقلبات العاطفية، والعلاج المعرفي السلوكي المرتكز على الصدمات (TF-CBT)، إضافة إلى العلاج بحركة العين (EMDR) الذي يساعد في معالجة الذكريات الصادمة بطريقة آمنة. كما أن العلاج التحليلي يساهم في فهم الجذور اللاواعية وإعادة بناء صورة الذات. وتؤكد بزادوغ أن الدعم الأسري والاجتماعي يشكل ركيزة أساسية للتعافي.

وختمت بزادوغ بالتأكيد على أن الانشطار والانفصال ليسا جنونًا، بل هما أسلوب العقل في حماية النفس حين تعجز عن مواجهة الألم. وبالعلاج والدعم يمكن للإنسان أن يعيد ترميم ذاته ويعيش حياة أكثر توازنًا وواقعية، داعية الجميع إلى عدم التردد في طلب المساعدة متى شعروا بتشوش واقعهم أو غموض مشاعرهم.