أخبار اليوم - في لحظة، انقلب الليل إلى جحيم. عند الساعة الثانية من فجر الإثنين، وبينما كان أفراد ثلاث أسر من عائلة أبو ليلة نياما، حولت غارة إسرائيلية منزلهم في شارع الجلاء بمدينة غزة إلى مقبرة جماعية، دون سابق إنذار.
هرعت طواقم جهاز الدفاع المدني إلى مسرح الجريمة لإنقاذ الضحايا، وسرعان ما استهدفتها طائرة حربية إسرائيلية بدون طيار بقنبلة، لئلا تبقي أحدا من المدنيين في المنزل على قيد الحياة.
"قصف الاحتلال المنزل دون تحذير على رؤوس من فيه... هم أناس مسالمون أبرياء". أمام مشهد جثامين 10 شهداء، افترشت أمس الأرض في ساحة مجمع الشفاء الطبي بغزة، كان فايز أبو ليلة، عم الشهداء، شاهدا على أحد فصول حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
يشير بيديه إلى بعض الجثامين، بينما تنهمر دموع ذوي الضحايا، وكلماتهم التي تنطقها عيونهم لا أفواههم، مضيفا لصحيفة "فلسطين": "انظر... هؤلاء الأطفال الثلاثة لا يتجاوز كبيرهم ست سنوات من عمره".
وأسفر قصف منزل عائلة أبو ليلة عن استشهاد 15 فردا، انتشل منهم 10 ولا تزال جثامين خمسة شهداء تحت الأنقاض، وفق إفادته.
وتمكنت العائلة حتى ظهر أمس من دفن اثنين من الشهداء، في وقت تحدق المخاطر بالأهالي مع تصعيد خطة احتلال مدينة غزة، وتكثيف الغارات الجوية والمدفعية الإسرائيلية.
يوضح عم الشهداء أن ابنته، وهي زوجة ابن أخيه عبد الله أبو ليلة، نجت مع طفليها من القصف بأعجوبة، بينما أسرة محمد أبو ليلة مسحت من السجل المدني بالكامل، ونجت من أسرة نوال أبو ليلة سيدة واحدة فقط.
ويتساءل: ماذا يريد الاحتلال من قصف سيدة تبلغ 70 عاما من عمرها، وأخرى 40 عاما، وأطفالا في مستهل حياتهم؟، مبينا أن المخاطر المحدقة بمنطقة سكن العائلة تصاعدت.
وفي اليوم السابق للمجزرة، قصف الاحتلال منزل فايز أبو ليلة أيضا، عند الثانية بعد منتصف الليل، بينما كان يتواجد فيه مع أولاده وإخوته.
وعن تفاصيل الجريمة، يقول: سمعنا صوت طائرة من نوع "كواد كابتر تلقي قنابل على أسطح المنازل، وقد أسقطت اثنتين منها على سطح منزلي، وعند الثانية ليلا شعرنا وكأن المنزل انهار فوقنا".
ويذكر أن 12 عائلة كانت تتواجد في المربع السكني الذي استهدفته طائرات الاحتلال بالقنابل، واصفا الجريمة بقوله: كان ذلك بمثابة زلزال، وقد دمر القصف غرفتين ومطبخا ودورة مياه مسقوفين بالاسبست، وأسفر عن إصابات بجروح متفاوتة بينها في الرأس وأخرى رضوض.
ويشير الرجل إلى أن الاحتلال يرمي من هذه المجازر إلى إجبار الأهالي على النزوح من مناطق سكنهم، في إطار مخططاته لتهجيرهم قسرا.
ويصف الحرب الجارية على قطاع غزة بأنها إبادة جماعية "شعواء وظالمة ومجرمة ضد الشعب الفلسطيني"، منبها إلى أن المجزرة بحق عائلته تجاوزت كل "الخطوط البشرية".
ويأسف عم الشهداء على فشل القمة العربية الإسلامية في الدوحة أول من أمس عن اتخاذ خطوات عملية توقف حرب الإبادة الجماعية.
لكنه يشدد على التشبث بفلسطين، مشيرا إلى أنها "أرض رباط مباركة، ولا أحد منا يمكنه التنازل عن حقه فيها"، وأن الفلسطينيين الذين هجرتهم العصابات الصهيونية سنة 1948 لم ينسوا بلدهم ولم يستسلموا وظلوا يقاومون.
ويدلل بذلك على أن مخططات الاحتلال الحالية لتهجير الغزيين بقوة السلاح وفصلهم عن وطنهم لن تنجح، مردفا: "حتى نحن، عندما نموت فإن الأجيال اللاحقة ستقاوم، وفلسطين ستظل للفلسطينيين".
تطهير عرقي
ويواصل جيش الاحتلال استهداف مدينة غزة وأحيائها السكنية المدنية، ضمن سياسات التدمير الممنهج والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري التي يواصل تنفيذها منذ بدء عدوانه البري على المدينة في 11 أغسطس/آب.
ووفق بيان للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة السبت، دمر الاحتلال أكثر من 1,600 برج وبناية سكنية مدنية متعددة الطوابق تدميرا كاملا، وأكثر من 2,000 برج وبناية سكنية تدميرا بليغا، إلى جانب تدميره أكثر من 13,000 خيمة تؤوي النازحين.
ومنذ مطلع سبتمبر/أيلول، نسف الاحتلال ودمر 70 برجا وبناية سكنية بشكل كامل، و120 برجا وبناية سكنية تدميرا بليغا، إضافة إلى أكثر من 3,500 خيمة.
وكانت هذه الأبراج والعمارات السكنية المستهدفة تضم أكثر من 10,000 وحدة سكنية يقطنها ما يزيد عن 50,000 نسمة، فيما كانت الخيام التي استهدفها العدوان تؤوي أكثر من 52,000 نازح.
وبذلك يكون الاحتلال قد دمّر مساكن وخياما كانت تحتضن أكثر من 100,000 نسمة، ما أدى إلى نزوح قسري –مع جرائم الإخلاء القسري- يفوق 350,000 مواطن من الأحياء الشرقية لمدينة غزة نحو وسط المدينة وغربها، في مشهد يعكس بوضوح تعمد ارتكاب جرائم حرب من خلال سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية الممنهجة، بحسب البيان.
وبينما يسعى ذوو شهداء عائلة أبو ليلة إلى انتشال من تبقى منهم تحت الأنقاض ومواراتهم الثرى، لا يزال الاحتلال يرتكب المزيد من المجازر بحق الأهالي في مدينة غزة، التي دمرها سابقا، ويعمل الآن على احتلالها أمام مرأى ومسمع العالم.
فلسطين أون لاين