جناحا الأردن في الأمم المتحدة: ضميرٌ يحرّك العالم، وسياسةٌ تبني السلام"

mainThumb
جناحا الأردن في الأمم المتحدة: ضميرٌ يحرّك العالم، وسياسةٌ تبني السلام"

24-09-2025 09:42 AM

printIcon

في قلب نيويورك، ومن على منبر الأمم المتحدة، قدّم جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله مشهداً دبلوماسياً نادراً: خطابان مختلفان في الأسلوب، لكنهما ينسجان خيطاً واحداً من الرؤية الأردنية المتكاملة، التي تجمع بين الحس الإنساني والواقع السياسي؛ ومع أن وسائل الإعلام ركّزت على العبارات المؤثرة واللقطات العاطفية، فقد غفلت عن العمق الاستراتيجي الذي يربط كلمتيهما، ويُظهر نهجاً أردنياً مدروساً يسعى إلى التأثير على أكثر من مستوى.

الملكة رانيا اختارت أن تخاطب العالم من قلب معاناة النساء. لم تكتفِ بسرد مآسي الحروب، بل سلّطت الضوء على الهشاشة الخاصة التي تعيشها الفتيات والنساء في مناطق النزاع: انقطاع الرعاية الصحية، تدمير فرص التعليم، وانعدام الأمان الجسدي والنفسي. رسالتها لم تكن نداءً عاطفياً فحسب، بل دعوة استراتيجية واضحة: لا سلام مستدام دون إشراك النساء في صُلب عمليات إعادة الإعمار وصنع القرار. ومع أن كلماتها عن "الصمت" و"التخاذل" تناقلتها وسائل الإعلام، إلا أن جوهر دعوتها—إعادة ترتيب أولويات المساعدات الدولية لجعل المرأة محوراً لا هامشاً

أما الملك عبدالله الثاني، فوجّه خطابه نحو الجذور السياسية للمعاناة الإنسانية أكد أن الكلمات، رغم عدم كفايتها وحدها لتغيير الواقع، تظل ضرورية لمنع الصمت الذي يُعدّ خيانة للضمير الإنساني. وعندما تحدّث عن حلّ الدولتين، لم يكن يكرّر موقفاً تقليدياً، بل كان يربط بين الأهوال اليومية في غزة والضفة الغربية وبين الحاجة الملحة إلى حل سياسي عادل وشامل. وما لم يُنتبه إليه كثيراً هو أن الملك وجّه رسالة صريحة إلى المجتمع الدولي: أن عجز الأمم المتحدة عن التحرّك الفعّال لا يهدّد فقط مصداقية المؤسسة، بل يُفقِد الشعوب ثقتها بالعدالة الدولية نفسها.

المشهد الأردني لم يكن عفوياً؛ بل كان توزيعاً ذكياً للأدوار. الملكة رانيا تلامس القلوب عبر صورة الأم التي تبحث عن أمانٍ لأبنائها، بينما الملك عبدالله يرسم خريطة طريق سياسية تُحقّق هذا الأمان. الإعلام انشغل بالاقتباسات، لكنه تجاهل أن هذا التناغم ليس صدفة، بل استراتيجية أردنية مقصودة لخلق ضغط مزدوج: إنساني يُحرّك الرأي العام العالمي، وسياسي يُوجّه صنّاع القرار نحو تحمل مسؤولياتهم.

في الختام ، لا يمكن فصل خطابَي الملك والملكة، بل يجب قراءتهما كجناحين لرسالة واحدة متكاملة: لا سلام دون عدالة، ولا عدالة دون مساءلة، ولا مستقبل مستقر دون مشاركة فاعلة للنساء والشباب في بناء الغد. الأردن، في هذا المشهد الدبلوماسي الرفيع، لم يقدّم موقفاً فحسب، بل قدّم نموذجاً نادراً في زمنٍ يعاني فيه العالم من فراغٍ مزدوج: فراغ السياسة من الضمير، وفراغ الإنسانية من الفعل.