جلالة الملك عبد الله الثاني وجائزة نوبل للسلام: استحقاق لا مَنّة

mainThumb
جلالة الملك عبد الله الثاني وجائزة نوبل للسلام: استحقاق لا مَنّة

27-09-2025 08:50 PM

printIcon


بقلم: اللواء المهندس م. هاني أبوزيد

في عالمٍ يموج بالصراعات الطائفية والانقسامات السياسية، وتتنازع فيه المصالح على حساب القيم والضمير الإنساني، يبرز اسم جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين كأحد أبرز الأصوات العالمية الداعية إلى السلام، والرافضة للتطرف، والحاملة لرسالة التفاهم والتعايش بين الشعوب والأديان.

ومع كل ما قدّمه جلالته، خلال أكثر من عقدين من قيادة متّزنة وعقلانية، يحق لنا أن نتساءل بصوت عالٍ:
لماذا لم يُرشّح حتى الآن لنيل جائزة نوبل للسلام؟

سجلٌ حافل بالسلام والاعتدال

الملك عبد الله الثاني لم يكن يومًا مجرد متحدث باسم الاعتدال، بل كان صانعًا له، ورسّخ الحوار نهجًا، والوسطية سياسة، والكرامة الإنسانية مبدأً لا مساومة فيه. وقد جسّد ذلك من خلال مبادرات ومواقف ملموسة على المستويين المحلي والدولي، منها:

رسالة عمّان (2004)

وثيقة جامعة وقّعها كبار علماء المسلمين من مختلف المذاهب، أكدت وحدة الأمة الإسلامية ورفضت التكفير والغلو، ورسّخت أسس الفقه والتسامح.

مبادرة “كلمة سواء” (2007)

دعوة رفيعة للحوار بين القيادات الإسلامية والمسيحية في العالم، أسست ثقافة تفاهم عابرة للأديان، ونالت احترامًا وتقديرًا عالميين.

أسبوع الوئام بين الأديان (2010)

مبادرة ملكية تبنّتها الأمم المتحدة رسميًا، وتُحتفل بها سنويًا في فبراير لتعزيز التسامح الديني والاحترام المتبادل بين الأديان.

الوصاية الهاشمية على القدس

موقف مبدئي وثابت في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، والدفاع عن الهوية العربية للمدينة في وجه محاولات التهويد والطمس.

حضور استثنائي في المحافل الدولية

خطابات جلالته في الأمم المتحدة تمثل صوت الضمير العربي، وتحمل دفاعًا ثابتًا عن القضية الفلسطينية، ومطالبة دائمة بإرساء العدالة والسلام الحقيقي.

الدور الإنساني للأردن

رغم ضيق الموارد والتحديات، قدّم الأردن نموذجًا إنسانيًا فريدًا في استضافة ملايين اللاجئين، محافظًا على كرامتهم، ومثبتًا أن الإنسانية موقف لا شعار.

إلى رفاق السلاح… الكلمة أشرف من البندقية

من قال فيكم سيد البلاد:
“أنتم الأصدق قولًا، والأوفى عهدًا”…

إليكم، أنتم من حملتم الشرف على الأكتاف، وربطتم الولاء بالفعل لا بالقول.
أنتم من كنتم وما زلتم صمّام الأمان، وحراس العهد، وركن الدولة المتين.

في زمن كثر فيه اللغو وقلّ فيه الصدق، تبقى الكلمة من فم الجندي أشرف من كل خطب المنابر والوعود الفارغة.
وأنتم من تعرفون قبل غيركم أن السلام لا يُفرض، بل يُصنع… وأن قائده الحقيقي، هو من يُبقي سلاحه حارسًا للحق، لا أداةً للعدوان.

فما الذي يمنع ترشيحه؟

رغم هذا السجل الإنساني والسياسي المتماسك، لم يُرشّح جلالة الملك عبد الله الثاني رسميًا لجائزة نوبل للسلام حتى اليوم، لأسباب قد لا تتعلق بالكفاءة أو الأهلية، بل بالعوامل التالية:
• غياب حملة دولية رسمية ومؤثرة من جهات أكاديمية أو سياسية تتبنّى ترشيحه.
• تغليب المصالح السياسية في آلية الترشيح ومنح الجوائز على حساب النزاهة الموضوعية.
• تجاهل متكرر للدور العربي والإسلامي الإيجابي في صُنع السلام الحقيقي، لصالح نماذج إعلامية أكثر ضجيجًا.

دعوة للإنصاف والاعتراف

ترشيح جلالة الملك عبد الله الثاني لنيل جائزة نوبل للسلام ليس تزكيةً سياسية ولا مطلبًا دعائيًا، بل هو استحقاق إنساني وتاريخي لقائد حمل مشعل الاعتدال في زمن الظلام، وبنى جسور الحوار في عالم تتهدّده الكراهية والانقسامات.

إننا اليوم، ندعو المؤسسات الأكاديمية والبرلمانات ومراكز الفكر، والمثقفين والدبلوماسيين، وكل أحرار العالم، إلى تبنّي حملة ترشيح رسمية تُعيد الاعتبار لقيم السلام، وتعترف بدور القادة الذين يصنعونه بصمت وإخلاص.



وكيف لا… وهو من سُبط النبي، وحاملُ رسالة، لا طالبُ حكم؟

إن الحديث عن جلالة الملك عبد الله الثاني لا يكتمل دون التذكير بأنه من آل بيت النبوة، من سلالة الحسين بن علي، سبط رسول الله محمد ﷺ، وهي سلالة اقترنت عبر التاريخ بالهداية لا الهيمنة، وبالرسالة لا المصالح.

وهذا النَسَب الشريف ليس شرفًا عائليًا فقط، بل هو امتداد لرسالة إنسانية خالدة، تقوم على الرحمة، والعدالة، والكرامة، والسلام.
من صعيد كربلاء إلى منابر العالم، ظل صوت آل البيت صوت الضمير الإنساني، لا يعلو بالسيف، بل يرتفع بالحكمة والبصيرة.

وجلالة الملك، بما يحمله من نسب هاشمي، وما يجسّده من رؤية إنسانية، يُمثّل اليوم امتدادًا لهذه المدرسة النبوية، حيث القيادة أمانة لا مغنمًا، والسلام جوهر لا زينة.



الختام… صوت الاعتدال يستحق أن يُسمع عالميًا

في عالم تُمنح فيه الجوائز أحيانًا لأصحاب الشعارات لا أصحاب الأفعال، آن لجلالة الملك عبد الله الثاني أن يُكرّم بما يستحق،
لا لأنه يسعى لذلك، بل لأنه يرمز إليه.

إنه قائد سلام، وراعي اعتدال، وصوت ضمير عربي إسلامي عالمي…
استحق أن يُكتب اسمه بين صُنّاع السلام، لا على هامش المشهد، بل في صدره.