أخبار اليوم - تدخل احتجاجات حركة "جيل زد" الشبابية في المغرب يومها الحادي عشر في ظل تطور لافت في طبيعة احتجاجاتها وتحركاتها، بعد أن دعت المغاربة إلى مقاطعة منتجات شركات رئيس الحكومة عزيز أخنوش. وفي خطوة مثيرة للانتباه أعلنت حركة " جيل زد" في المغرب، في بيان على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" اليوم، أنه "في ظل استمرار الصمت والتسيير الفاشل، والسكوت عن جرس الإنذار الذي ندقه كل يوم، نقول كفى. ندعو كل المغاربة الأحرار إلى مقاطعة منتجات شركات عزيز أخنوش، رمز الاحتكار وزواج المال بالسلطة". وأضافت: "كفى من التلميع الخارجي على حساب كرامة المواطن. قاطع وشارك صوتك".
وبدا لافتا في احتجاجات الحركة خلال الأيام القليلة الماضية، أن مطالب الشباب اكتسبت طابعا أكثر مباشرة حيال الحكومة ورئيسها، من خلال بروز شعارات قوية مثل "أخنوش ارحل" و"مطلوب". كذلك طالبت حركة "جيل زد" الجمعة الماضية، العاهل المغربي الملك محمد السادس، بإقالة حكومة أخنوش لـ"فشلها في حماية القدرة الشرائية للمغاربة وضمان العدالة الاجتماعية"، وإطلاق مسار قضائي نزيه لمحاسبة الفاسدين.
وليست المرة الأولى التي يواجه فيها أخنوش امتحان المقاطعة، إذ عاش الرجل في مساره السياسي لحظات صعبة، من أبرزها حملة المقاطعة التي انطلقت في 20 إبريل/نيسان 2018، والتي استهدفت ثلاث شركات، من بينها محطات وقود "أفريقيا" المملوكة لمجموعته "أكوا"، حيث وجد نفسه في مواجهة انتقادات لاذعة طاولته وأعادت النقاش بشأن زواج المال والسلطة، وهو ما يجسده أخنوش، رجل الأعمال والوزير ورئيس الحزب.
وفي السياق، رأى رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية في المغرب، رشيد لزرق، في حديث لـ"العربي الجديد "، أن اتجاه "جيل زد" إلى مواجهة الجمع بين المال والسياسة عبر سلاح المقاطعة في مواجهة رئيس الحكومة عزيز أخنوش يعكس انتقال الحركات الاحتجاجية من الشارع إلى الفضاء الرمزي للاستهلاك والاقتصاد. وقال لزرق إن المقاطعة هنا ليست مجرد رفض شراء منتج، بل فعل احتجاجي واعٍ يستهدف بنية القوة الاقتصادية التي تمثل أحد أوجه السلطة السياسية، معتبرا أن هذا السلوك يعبر عن تحول في أدوات المقاومة لدى الجيل الجديد، الذي يفضل التعبير الفردي والجماعي غير المؤطر حزبيا، ويستثمر في أدوات التواصل الرقمي لإنتاج ضغط اجتماعي لا يحتاج وسيطاً تنظيمياً تقليدياً.
وبرأي لزرق، فإن الدعوة إلى المقاطعة تكشف عن أزمة ثقة عميقة بين المواطن والدولة، وعن وعي شبابي جديد يربط بين السياسة اليومية وسلوك الاستهلاك، مشيرا إلى أن "جيل زد" لا يواجه أخنوش كشخص فقط، بل كنموذج للتماهي بين رأس المال والسلطة. وبهذا المعنى، فإن المقاطعة، يقول لزرق، ليست فعلا اقتصاديا ضيقا، بل وسيلة لإعادة تعريف العلاقة بين المواطن والفاعل السياسي، وإعادة ترتيب موازين القوة الاجتماعية عبر الضغط الأخلاقي والرمزي، في زمن تتراجع فيه فعالية الوسائط السياسية الكلاسيكية.
من جهته، قال الباحث في العلوم السياسية عز الدين العزماني، إنه "لفهم المراهنة على المقاطعة الاقتصادية في ضوء تحول الخطاب الاحتجاجي في بيانات جيل زد، ينبغي وضع هذه الدعوة الجديدة ضمن ديناميات الحراك الاجتماعي والسياسي في المغرب، حيث يعاد تشكيل العلاقة بين المواطن والدولة، والمواطن والسوق، خارج الوسائط التقليدية". وأوضح العزماني، في حديث مع " العربي الجديد"، أن البيانات السابقة لحركة "جيل زد" عبرت عن احتجاجات خطابية مطلبية، سواء كانت مؤسساتية (الملف المطلبي الذي تم التراجع عنه) أو تعبوية ميدانية (البيان الجديد). لكن دعوة المقاطعة الاقتصادية تمثل تحولا من الاحتجاج بالخطاب إلى الاحتجاج بالفعل التعبوي. وقال إن هذا التحول ينسجم مع ما يسمى في أدبيات الحركات الاجتماعية بـ"الاحتجاج الأداتي"، أي حين لا يكتفي الفاعلون بالتعبير الاحتجاجي، بل ينتقلون إلى ممارسة ضغط مباشر يؤثر على المصالح الاقتصادية والسياسية للنخب.
ولفت إلى أن "دعوة المقاطعة تستهدف بشكل مباشر رئيس الحكومة باعتباره رمزا لظاهرة بنيوية في الاقتصاد السياسي المغربي التي ينتقدها الشباب. إذ يتم تقديمه في الخطاب رمزا للاحتكار وزواج المال بالسلطة. بالتالي، فإن المقاطعة تُقدم كفعل مقاوم ضد احتكار السوق وتضارب المصالح وتواطؤ النخب السياسية-الاقتصادية، وهي رسالة مزدوجة إلى النخب بأن شرعيتها ليست محصّنة من الضغط الشعبي، وإلى الشعب بأن سلاح الاقتصاد الاستهلاكي بين يديه".
وأضاف: "نحن أمام خطاب يتجاوز الدولة كمخاطب مباشر، ويخاطب المواطن المستهلك ويستهدف النخب الاقتصادية المستفيدة من موقع السلطة لتوسيع مصالحها الاقتصادية علما أن المقاطعة واحدة من أشكال "العصيان المدني الاقتصادي" الذي يستعمل باعتباره أداة سياسية. واضح أن الأمر يتعلق بتراجع الرهان على إصلاح العمل الحكومي من الداخل، والاعتماد على أدوات "الضغط من الأسفل". واعتبر العزماني أن "سلاح المقاطعة يعزز الأشكال التقليدية للاحتجاج (مسيرات، عرائض، بيانات)، وما يتطلبه من حشد في الشارع، بحيث يضيف إليها تعبيرا عن وعي جماعي يتجلى في سلوك فردي متكرر من خلال عدم شراء منتوجات معينة. وهذا ينسجم مع تصاعد ما يسمى بـ"الاحتجاج غير المتجانس"، حيث يصبح الفعل الاحتجاجي موزعا وفرديا، ولكنه ذو أثر جماعي".
وأضاف: "في السياق الحالي، تأتي المقاطعة في ظل تنامي الاحتجاج الميداني اليومي، وقد تكون آلية لتوسيع رقعته ومخاطبة فئات مجتمعية أكبر للانضمام لاحتجاجات الشباب، كما أنها تضمن استمرارية للاحتجاج الميداني في حال قررت الدولة العودة إلى المقاربة الأمنية". وفي المحصلة، رأى العزماني أن "هذه المقاطعة ترجمة ميدانية لفقدان الثقة في الحكومة الحالية، فهي امتداد عملي للبيان الثاني، الذي يعبر عن فقدان الثقة في الحكومة وفي أي إمكانية للحوار، وأيضا بوصفها رد فعل ميدانيا على ما ورد في البيان الأول، الذي يُظهر أن الوساطة السياسية التقليدية لم تعد مجدية".