أخبار اليوم - عامان قضاهما الأسير المحرر أحمد نطط في سجون الاحتلال الإسرائيلي، عاش خلالهما فصولًا من العذاب والتجويع والإهمال الطبي. فالمعاناة داخل المعتقلات، كما يقول، لا تُقاس بمدتها، بل بما يتعرض له الأسرى منذ لحظة الاعتقال وحتى الإفراج، من تنكيل وانتهاك لحقوقهم الإنسانية وكرامتهم، بينما يصمّ العالم آذانه عن مأساتهم.
اقتيد نطط (33 عامًا) إلى سجون الاحتلال وجراح قلبه لم تلتئم بعد؛ إذ فقد زوجته وأطفاله في مجزرة إسرائيلية استهدفت أقارب زوجته الذين نزحت إليهم بحثًا عن الأمان، فباغتتهم صواريخ الاحتلال لتودي بحياة نحو ستين شخصًا.
يقول نطط لـ "فلسطين أون لاين": "كانت تلك المجزرة المروعة في يناير 2022، حين أرسلت زوجتي وطفلي إلى أقاربها من آل عساف. استهدفهم الاحتلال بصواريخ حقده، وتمكنت من انتشال جثمان زوجتي وابنتي تيا (4 أعوام) ودفنهما، فيما لم أستطع انتشال جثمان طفلي أسامة (عامان)."
ومع اشتداد القصف شمال قطاع غزة، اضطر نطط للنزوح إلى حي تل الهوى بمدينة غزة، حيث اقتحم جنود الاحتلال منزل شقيقته واعتقلوه بعد تحقيق ميداني عنيف تعرّض خلاله لأبشع صنوف التعذيب.
نُقل بعد ذلك إلى سجن "سديه تيمان" سيئ الصيت، حيث وُجهت له تهمة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي، وتعرض لتحقيق قاسٍ تخللته انتهاكات جسدية ونفسية متكررة. وبعد انتهاء التحقيق، نُقل بين عدة سجون لا تقل سوءًا، من بينها "عوفر"، حيث بقي مكبّل اليدين ومعصوب العينين لمدة ستة أشهر متواصلة، قبل أن يُزجّ في الزنازين الانفرادية.
يقول نطط: "تعرضنا يوميًا للضرب والتكسير والقمع. كانوا يحرقون ظهورنا بالماء الساخن، ويضربوننا بأدوات حديدية، ويصدمون رؤوسنا بالجدران."
ويضيف: "كانوا يمنعوننا من الحديث مع بعضنا البعض، ونُعاني من إهمال طبي متعمّد. فعندما أمرض ويتم نقلي للطبيب، كانوا يعتدون عليّ بالضرب المبرح طوال الطريق."
أما المحاكمات، كما يروي، فكانت صورية تُجرى عبر الهاتف أو "الفيديو كونفرنس"، دون السماح للمعتقلين بالدفاع عن أنفسهم أو توكيل محامين، ولا تستغرق سوى دقائق معدودة. ويشير إلى أنه قبيل الإفراج عنه، وُضع في زنزانة جماعية تضم 30 معتقلًا لمدة 45 يومًا، دون حمام، سوى "جردل" بدائي، وفي ظروف بالغة القسوة.
ويتابع: "أُصبنا جميعًا بالجرب والحكة دون علاج، وكانوا يقتحمون الزنزانة بقنابل الغاز ويطلقون الرصاص المطاطي على أقدامنا."
أما عن التجويع، فيقول نطط: "كان فطورنا نصف ملعقة من الحمص، وغداؤنا نصف كوب من العدس أو الأرز. الطعام مليء بالديدان وبيض الصراصير، وأحيانًا برائحة الشامبو."
وقبيل الإفراج عنه بأيام، تم نقل الأسرى المفرج عنهم إلى زنازين مغلقة بأبواب كهربائية، حيث خضع مجددًا للتحقيق والتهديد بعدم ممارسة أي نشاط سياسي، مذكّرين إياه بمجزرة عائلته. "قلت لهم إنهم أبرياء وأنتم من قتلتموهم بلا ذنب"، يقول نطط.
ويضيف: "دخلت مندوبة الصليب الأحمر الزنزانة لتعتذر عن عدم زيارتنا منذ اندلاع الحرب على غزة، وتخبرنا أننا سنُفرج عنا قريبًا."
لكن الحرية لم تحمل له الفرح كما توقع، إذ يقول: "عندما خرجت، رأيت آثار المجاعة على وجوه الناس، فعرفت أننا لم نكن وحدنا من يعاني. علمت أن أمي توفيت، وأخي بُترت قدماه، وأن أشقائي انتشلوا جثمان طفلي ودفنوه بجانب زوجتي وابنتي دون أن أودعه."
هكذا، خرج أحمد نطط من الأسر ليجد أن وجع الداخل لم يكن أقل قسوة من وجع السجن، وأن الاحتلال لم يترك في حياته زاوية إلا ومرّ عليها بالخراب والألم
المصدر / فلسطين أون لاين