شيماء أبو عودة .. رحلة البحث عن مصير نجلها المفقود منذ سنتين

mainThumb
شيماء أبو عودة.. رحلة البحث عن مصير نجلها المفقود منذ سنتين

21-10-2025 09:34 AM

printIcon

أخبار اليوم - تجلس شيماء أبو عودة على مقربة من إحدى الحافلات التي تحمل جثامين الدفعة الخامسة التي سلّمها الاحتلال للجنة الدولية للصليب الأحمر في مستشفى ناصر بمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، تبحث بعينيها المتعبتين عن ملامح طفلها ريان أبو عودة (16 عامًا) المفقود منذ صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بين تلك الجثامين التي وصل بعضها بهيئة كاملة، وأخرى على شكل رُفات مع مقتنياتٍ كان يحملها الشهداء بعد تحلّلها كليًا أو جزئيًا.

تراقب شيماء سيدةً وصلت للتو، بعد أن تعرفت الأخيرة على صورة جثمان زوجها من خلال الصور التي تنشرها وزارة الصحة عبر رابط إلكتروني يساعد الأهالي في التعرف على ذويهم دون عناء القدوم إلى مستشفى ناصر وتفقد الجثامين شخصيًا.

وما إن فُتح الجثمان حتى دوّت صرخة باكية من تلك السيدة قائلة: "هذا أحمد". كان زوجها بهيئة كاملة، وكأنه استشهد للتو، يرفع إصبع السبابة، ويضمّ يديه، بشعرٍ أسود حريري منسدل للأمام، ولحية بحجم قبضة، ووجهٍ يشع نورًا بين ذرات الثلج التي جمّدت جسده منذ عامين. عندها تمنّت شيماء أن تصل إلى النهاية ذاتها في رحلة بحثها الطويلة عن مصير نجلها المفقود، لإنهاء صراع الأفكار بين الأمل واليأس، بين أن يكون حيًا أو شهيدًا.

مهمة صعبة

جاءت أبو عودة برفقة أشقائها للتأكد من صورة نشرتها وزارة الصحة لجثمان شهيد متحلّل من الجزء العلوي، رجّحت العائلة أنه لابن شقيقتها أحمد رياض أبو عودة. لعدة دقائق وقفت العائلة تتفقد الجثمان؛ نظروا إلى شكل الجمجمة، إلى أضلاع الصدر المكسورة، إلى بنطاله، حيث كان الجزء السفلي سليمًا، ويرتدي الشهيد بزّة عسكرية. وترجّح الطواقم الطبية أن سبب تحلّل أجزاء من الجثامين رغم حفظها في ثلاجات الموتى، أن الاحتلال جمعها بعد أيام أو أسابيع من أحداث السابع من أكتوبر.

كانت أبو عودة تحاول المقارنة بين صورة الشهيد على هاتفها المحمول، وكان يبدو وسيمًا ضاحكًا يرتدي قبعة سمراء بلحية خفيفة، وبين نصف جسد متحلّل. كانت مهمة قاسية عليها وعلى إخوتها لإعطاء التأكيد النهائي للطواقم الطبية التي منحتهم وقتًا كافيًا للتأكد، لكن علامة كسرٍ في أحد أسنانه الأمامية مع شكل رأسه الدائري جعلتهم يتيقنون بنسبة كبيرة أنه ابن شقيقتها، فيما تركوا التأكيد النهائي لوالدته بعد أن أخذوا بعض مقتنياته وصورة لبنطاله الذي تعرفه جيدًا.

بعيونٍ مرهقة وصوتٍ متهدج تروي أبو عودة لـ فلسطين أون لاين آخر لحظات نجلها قبل فقدانه: "في السابع من أكتوبر استيقظنا على أصوات صواريخ وأحداثٍ صعبة، وكان قد غادر المنزل باكرًا متوجهًا إلى المدرسة، علماً أننا نسكن قرب السياج الفاصل مع الاحتلال. سألت كثيرًا عنه، وجميع من رافقه من الأطفال قالوا إنهم شاهدوه داخل حاجز (إيرز)، كان يظن أنها مسيرات مثل مسيرات العودة، ومنذ ذلك الحين فقدته هناك".

لم تفقد أبو عودة طفلها فقط، بل "فقدت قلبها"، كما تقول وهي تغلق جثمان ابن شقيقتها بعينين غارقتين في الدموع، وتتمنى أن تصل إلى اللحظة ذاتها مع نجلها.

"رضيت بأن تتحقق هذه الأمنية القاسية بعد أن ضاع آخر خيط للأمل في أن يكون حيًا، مع خروج 1718 أسيرًا من غزة من سجون الاحتلال منذ السابع من أكتوبر، وكانت تلك فرصتي الأخيرة لإيجاده".

آخر الآمال

في لحظة الإفراج عن الأسرى، جاءت أبو عودة إلى مستشفى ناصر، تبحث بين الحافلات عن ملامح طفلها، تتمنى أن تجده بين تلك الوجوه وأن تحظى بفرصة لعناقه، كما فعلت آلاف الأمهات اللواتي ذرفن دموع الفرح بعودة أبنائهن. لكنها عادت بقلبٍ مكسور، وجرحٍ مفتوح، بعدما انقطع الأمل بأن يكون حيًا، وبقيت تراقب جثامين الشهداء لعلها تجد بينهم من يشبهه.

عن رحلتها الصعبة في البحث عن مصيرٍ مجهول، تقول وهي تقف قرب حافلةٍ مكتظة بالجثامين: "منذ سنتين لم أترك مؤسسة حقوقية أو محاميًا أو لجنة دولية أو مكانًا إلا وتوجهت إليه بحثًا عن طفلي. تواصلت مع محامين في الداخل المحتل، وتمنيت في الفترة الأخيرة أن يكون ضمن الأسرى المحررين كونه طفلًا، وجئت إلى هنا ورأيت كيف تحتضن الأمهات أبناءهن، وتمنيت أن أحظى بهذه اللحظة، لكني عدت بدموعي وقلبي المكلوم".

وتضيف بصوت يغلفه الحزن: "اليوم وصلت الدفعة الخامسة من الجثامين، فجئت برفقة إخوتي للتأكد من جثمان ابن شقيقتي، وكنت على أمل أن أجد طفلي بين الجثامين، أو أتعرف على شيء من ملابسه أو مقتنياته أو حتى رائحته. نريد إيجاد الجثمان ودفنه بكرامة. تعرفنا على ابن شقيقتي من سنّه المكسور لأن الشهداء تعرضوا للحروق والتعذيب، وصار من الصعب التعرف على أبنائنا".

وتتابع: "منذ أن نشرت الوزارة رابط صور الجثامين، أقوم بتفقد كل الصور على أمل أن أعثر على صورته. قبل ذلك كنت أتابع أخبار الأسرى وأسماء المفرج عنهم، بل زرت بعضهم وسألتهم عن اسم نجلي وصورته على أمل أن يكونوا قد صادفوه في أحد السجون أو المعتقلات، لكن حتى الآن لم أجد إجابة تُبرّد نيران قلبي".

المصدر / فلسطين أون لاين