‏إدارة البرلمان: من صهوة القلق إلى منطق الانضباط

mainThumb

26-10-2025 09:29 AM

printIcon

‏حين قرأت رسالة «الوداع»، المشفوعة بالمظلومية والقلق، التي بعثها رئيس مجلس النواب لأعضاء المجلس، قلت في نفسي : سامحهم الله الذين أوصلونا إلى هذا المشهد الحزين، أعتذر عن عدم التعليق على الرسالة، وأترك ذلك للقراء الأعزاء، كما أترك جردة حسابات أخطاء المرحلة الماضية من عمر المجلس -وما أكثرها - لمن يهمه الأمر، كل ما أرجوه أن نطوي هذه الصفحة ونبدأ بأخرى أفضل، رئاسة المجلس في الدورة القادمة حُسمت بالتوافق السياسي للنائب مازن القاضي، وهو رجل وطني أثق به، وأعتقد أنه سيفعل ما يجب أن يفعله في سياق إعادة الاعتبار لدور المجلس، وإطلاق «صفارة» التغيير من داخله.

‏أعرف، تماماً، المرحلة القادمة تحتاج إلى انضباط في الأداء، وعقلنة للخطاب العام، ومصداقية وجدية أكثر في إدارة النقاش وتوزيع الأدوار، مجلس النواب يجب أن ينهض بهذا الدور، ورئاسته يُفترض أن تلتقط ذبذبات الاستدارة للداخل الأردني، وتعيد توجيه البوصلة نحو التوازنات التي تحمي الأردن، وتحافظ عليه، بعيداً عن حسابات الفردية والشللية التي سيطرت على المجلس في الفترات الماضية.

‏لا يمكن لمجلس النواب أن يقدم صورة أداء أفضل، تعيد إليه الثقة التي افتقدها على مدى السنوات المنصرفة، وتحرره من الفردانية ومنطق الترضيات إلا إذا بدأ بترتيب ما تحت القبة، ابتداءً من إعادة هيكلته الإدارية، وتجويد نظامه الداخلي، وتمكين كتله النيابية من ممارسة دورها في إطار حزبي منضبط، والاهم استدعاء دوره السياسي إلى جانب دوره الرقابي والتشريعي، لقد فقد المجلس، للأسف، هذا الدور السياسي، وحان الوقت لكي يتحدث للأردنيين بجملة سياسية واضحة، وأن يمارس أعضاؤه مهمة رجال الدولة، لا مهمة الموظفين، أو ميسري الخدمات العامة.

‏أدرك أن أمام رئاسة المجلس أجندة ثقيلة وصعبة، ثمة أخطاء تراكمت تحتاج إلى معالجات، ثمة كتل حزبية متناثرة لم ينضج خطابها بعد، ولم تتمكن من توحيد مواقفها وإعداد برامجها، ثمة كتلة تمثل حزب جبهة العمل الإسلامي تشعر بالإقصاء والقلق على مصيرها، ثمة علاقة بين المجلس وبين الحكومة تبدو دافئة، لكنها تحتاج إلى إعادة ترسيم لضمان الحد اللازم من التوازن والتوافق بين السلطتين، الأهم أمام الأردن مرحلة صعبة مزدحمة بالمخاطر والملفات العابرة للحدود، وعليه لا خيار أمام المجلس إلا إصلاح نفسه، وتطوير أدواته، وتصحيح مساراته، وذلك لإفراز حالة برلمانية مختلفة، بخطاب مقنع، ومواقف صلبة، بعكس ذلك، كلفة استمرار البرلمان على الدولة ربما تكون محل إعادة نظر.

‏تبقى نقطة أخيرة، البرلمان مؤسسة وطنية يجب أن نحترمها، ونحافظ على هيبتها، بصرف النظر عن ملاحظاتنا وانتقاداتنا لأدائها العام، أول من يتحمل مسؤولية احترام المؤسسة هم النواب أنفسهم (والرئاسة تحديداً)، وإذا كانت رسالة التغيير انطلقت هذه المرة من داخل البرلمان، وهي تحمل دلالات سياسية ربما تتضح أكثر خلال الأيام القادمة، وربما تمتد إلى غيره من إداراتنا العامة، فإن أمام الرئاسة الجديدة فرصة ثمينة لإدارة البرلمان بمنطق الانضباط والحكمة والالتزام، لا بمنطق القلق والتعثر والارتباك، وذلك لإعطاء هذا التغيير ما يلزم من زخم ومصداقية، وإعطاء الأردنيين، أيضاً، ما يطمحون إليه من استدارة حقيقية نحو قضاياهم، وحماية الأردن، وقطع الطريق على أي أجندات تصب خارج هذا الإطار.