لن يرسل الأردن قوات عسكرية إلى قطاع غزة أو الضفة الغربية، وربما يتوسع فقط في المستشفيات الميدانية، في ظل ظروف صعبة.
ليس من مصلحة الأردن إرسال قوات عسكرية إلى قطاع غزة لاعتبارات كثيرة؛ أولها أن الوضع في القطاع في غاية السوء، وأيّ تصوّر لدور خارج الدور السياسي والإنساني قد ينقلب في لحظة ما إلى صناعة اتهام بتأسيس احتلال جديد من خلال قوات عربية ودولية تنفذ إرادة الأميركيين أو الإسرائيليين، فلماذا يجد الأردن نفسه وسط التراشقات والاتهامات بشأن الأدوار في القطاع، ومن يديره، ومن يرث من فيه، خصوصا، أن الوضع المأساوي ما يزال مستمرا، والمشاريع السرية للسطو على الأرض والثروات، لم تعد سرا.
العقدة الثانية ترتبط بالفوضى الأمنية وتوفر السلاح ووجود جماعات تابعة لجهات إسرائيلية أو أجنبية، وهي جماعات لا يضمن أحد إطلاقها للرصاص على أي قوة موجودة، تنفيذا لأي أجندة، وهو أمر قد يتسبب بمقتل أعضاء في هذه القوات، مما سيفتح جبهات بديلة تؤدي إلى اشتباكات وانقسامات واتهامات متبادلة أيضا باستهداف مواطنين من دول ثانية قدموا لتثبيت حالة الأمن في القطاع في ظل هذه الظروف، ومن الطبيعي جدا أن يتجنب الأردن هنا هذه الاحتمالات.
أما السبب الثالث فيرتبط فيها بدور هذه القوات التي قد تجد نفسها مطالبة بتطهير القطاع من السلاح والتورط في دور وظيفي، أو الدخول في اشتباكات أمنية لأي سبب كان مع الفلسطينيين أو التنظيمات، والأفضل بطبيعة الحال النأي بالنفس في ظل حساسيات قابلة للاستثمار بوجود أطراف عدة ستسعى إلى ذلك.
النقطة الرابعة تتعلق بعدم وضوح الصورة أصلا، فالحرب لم تتوقف أساسا، وهناك ملفات سياسية واقتصادية وأمنية عالقة، والحصار على القطاع يشتد، وقتل الناس يتواصل، ومحاولة التجويع والتركيع تقود إلى اقتطاع مساحات من القطاع قد لا تخرج إسرائيل منها أصلا خصوصا في شرق القطاع أو شماله، والمشاركة ضمن قوات عربية أو دولية قد ينعكس في لحظة وكأنه قبول ضمني لعملية تقسيم القطاع.
ما سبق بعض التصورات التحليلية التي لا تستند إلى مصدر معلومات رسمي لامتناع الأردن عن إرسال أي قوات إلى قطاع غزة، لكن المشكلة اللاحقة قد تكمن في توجه الأمم المتحدة لإصدار قرار بتشكيل هذه القوات على طريقة قوات حفظ السلام، وهو أمر يمكن التصرف معه، لأن المشاركة نهاية المطاف ليست إجبارية، ولا يجوز فرضها أساسا، وبالتأكيد الأردن له حسابات مختلفة هنا.
وجود ممثل أردني ضمن فريق دولي لتنفيذ بنود وقف إطلاق النار في غزة ، في مركز التنسيق المدني العسكري عملية مختلفة جاءت لتسهيل نقل المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وربما ضمنيا تقييم الوضع الإجمالي في القطاع وليس توطئة لمشاركة بالقوات.
الملف الفلسطيني يفيض بالحساسيات، ونحن ندخل السنة الثالثة من الحرب وجسور الإمداد الإغاثي متوقفة من الأردن، ومخازن المؤسسات المحلية والدولية تواجه مشكلة هنا، وهذا يعني أن الاحتلال انقلب على الاتفاق، بعد أن استعاد الأسرى وهو يدرك أصلا أن انتشال جثث القتلى الإسرائيليين بحاجة إلى شهور لإزالة الأنقاض أولا، وهو أمر قد لا يؤدي إلى نتيجة أصلا، لأن طبيعة الصواريخ والقنابل الإسرائيلية تسببت بتبخر الجثث وتفتيت المباني، فوق أن انقطاع الاتصالات داخل القطاع أدى إلى نقل إسرائيليين أحياء إلى مناطق ثانية دون إبلاغ جهة مركزية بموقعهم النهائي، على افتراض أن الموقع النهائي بقي سالما ولم يتم تحويله إلى رماد في الهواء.
من ناحية أخلاقية لا أحد يسأل عن مصير عشرة آلاف فلسطيني استشهدوا تحت الأنقاض، وما يهم الغرب المنافق جثث الإسرائيليين.
الحرب مستمرة، وإن أخذت شكلا ثانيا من خلال العمليات المتقطعة نسخا للنموذج اللبناني، ومن الطبيعي وسط هذه التقييمات أن ينأى الأردن بنفسه، ويركز على الدورين السياسي والإنساني، في قطاع غزة والضفة الغربية، وسط تقديرات تقول إن كل المنطقة ما تزال على الحافة، وربما نشهد ما هو أصعب خلال الفترات المقبلة على صعيد بقية الجبهات، بما فيها الضفة الغربية.
السياسة حافلة بالتقلبات وتغيير المواقف، لكن الأردن هنا ليس مضطرا أن يبدل موقفه هذا لاحقا. هذه مغامرة غير آمنة أبدا