كيف بنت «حماس» ترسانة أنفاقها في غزة؟

mainThumb
كيف بنت «حماس» ترسانة أنفاقها في غزة؟

07-11-2025 05:51 PM

printIcon

أخبار اليوم - باتت أنفاق «حماس» في قطاع غزة تتصدر مشهد صورة اتفاق وقف إطلاق النار، في ظل العديد من العقبات التي تواجهه، سواء فيما يتعلق بقضية عناصر «كتائب القسام» الجناح المسلح للحركة المتواجدين في أنفاق رفح، أو في إصرار إسرائيل على تدميرها بالكامل.

وما فاجأ الكثيرين من المتابعين والمراقبين هي التصريحات التي أطلقها منذ نحو أسبوعين وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي قال خلال حديث مع نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، إن 60 في المائة من أنفاق «حماس» لم تُدمَّر بعد، وإن هدمها أهم نقطة مشتركة من أجل تنفيذها. وهو أمر قد يكون صحيحاً نظراً لانتشال جثامين مختطفين إسرائيليين من بعض الأنفاق المتبقية رغم تدميرها الذي يبدو جزئياً وليس كاملاً.

وعاد كاتس للتغريد، الجمعة، عبر منصة «إكس»، بالقول: «أصدرت تعليماتي لجيش الدفاع الإسرائيلي بتدمير جميع الأنفاق. إذا لم تكن هناك أنفاق، فلن يكون هناك (حماس)».


وخاضت إسرائيل حرباً شرسة استمرت عامين، الأمر الذي بات يفرض سؤالاً عن الدور الذي كان يقوم به الجيش الإسرائيلي طوال تلك الفترة، ما دام هناك مثل هذه القدرات من الأنفاق، وكيف نجحت «حماس» في بناء هذه الترسانة التي باتت تقلق إسرائيل أكثر.

بدايات الأنفاق
كثيرون يعتقدون أن فكرة الأنفاق ولدت عام 2006 من خلال عملية «الوهم المتبدد» كما أطلقت عليها «كتائب القسام» وأجنحة عسكرية أخرى شاركت في تلك العملية، التي أدت لمقتل وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين، وخطف الجندي جلعاد شاليط، لكن فكرتها ولدت قبل ذلك بسنوات، وتحديداً بعد عام واحد من اندلاع «انتفاضة الأقصى» الثانية، التي بدأت في الثامن والعشرين من سبتمبر (أيلول) عام 2000، فيما نفذت العملية الأولى حينها في السادس والعشرين من الشهر نفسه في عام 2001، بتفجير نفق بعبوات ناسفة كبيرة الحجم، في موقع «ترميد» العسكري في رفح، من خلال نفق زاد طوله على 150 متراً، ما أدى لمقتل وإصابة العديد من الجنود الإسرائيليين.

شكلت تلك العملية بدايةً لمعركة مختلفة ما بين «حماس» وإسرائيل، وتوسعت الحركة في فكرتها وتطويرها على مدار سنوات، خاصةً بعد حكمها لقطاع غزة وسيطرتها عليه في عام 2007، حتى باتت تشكّل مصدر قلق لإسرائيل من جانب، ومن جانب آخر تعتبرها الحركة الفلسطينية إنجازاً كبيراً لها يعتد به في معاركها التي تخوضها ضد الإسرائيليين، ونجحت فعلياً باستخدامها في العديد من العمليات المؤثرة التي تسببت في مقتل وإصابة العديد منهم.

وشكّل هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مفاجأةً بالنسبة لإسرائيل التي كانت تعتقد أنها أصبحت أكثر أماناً بعدما قضت على إمكانية أن تسمح لعناصر «حماس» باختراق الحدود من تحتها في أعقاب بناء عائق أمني متطور يكشف عن أي أنفاق هجومية، كلفها أكثر من 50 مليون دولار، واستمر بناؤه سنوات وانتهى العمل منه نهاية عام 2021، لكن الحركة الفلسطينية كانت أذكى، وفعلياً لم تستعمل الأنفاق في هجومها، واكتفت بتنفيذه من فوق الأرض بتفجير العائق الجديد بكميات من المتفجرات، إلى جانب استخدام المظلات في عملية التسلل.

بناء الأنفاق
ترى مصادر متطابقة من «حماس» أن فكرة بناء الأنفاق وتطويرها يعود فيها الفضل للقيادي في «كتائب القسام» محمد السنوار، الذي كان يتابع هذا الملف باهتمام في بداياته حتى أصبح متطوراً، وباتت الأنفاق موجودة في كل أنحاء قطاع غزة وليس في رفح أو خان يونس التي كان السنوار مسؤولاً عنها لسنوات عدة.


وتطورت الأنفاق من محدودة وصغيرة إلى كبيرة ومتفرعة في أكثر من منطقة، ومنها ما بات يطلق عليها «الهجومية»، وأخرى «الدفاعية»، وثالثة «اللوجيستية» أو التحكم والسيطرة والقيادة.

تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن مَن أشرف على عملية البناء والتطوير بهذا الشكل «المدهش»، وفق وصفها، ليسوا مهندسين محترفين، إنما هم في غالبيتهم عمال وفنيون يمتلكون المهارات أكثر من المهندسين، واستطاعوا بناء أنفاق مختلفة وبأحجام ونوعيات وخرسانة مختلفة، وبتفرعات وعمق وطول البعض لا يتخيلها، كما تم صناعة أنفاق لعمق كبير تم أسفلها وضع مصنعيات لصناعة الصواريخ والمتفجرات وغيرها.

وتوضح المصادر أن أولئك الفنيين الذين يُطلَق عليهم لقب «المهندسين» بين عناصر «القسام»، كانوا يشرفون على تحديد أماكن التربة ونقاط الضعف والقوة في أرضية الأماكن التي يجب حفر الأنفاق فيها، ويحددون مساراتها، وهم يتولون أولى خطوات الحفر، ثم يتابعون العمل عن بعد.

وبيّنت أنه كان يتم تخصيص أماكن لصناعة الخرسانة الخاصة ببناء الأنفاق، ويتم تجهيزها أيضاً من فنيين، يضعون كميات وافية وكافية من الأسمنت لصنع تلك الخرسانات لتكون قوية وتستطيع تجاوز أي مشاكل هندسية أو فنية، وبما يسمح باستخدام تلك الأنفاق بسهولة بما لا يشكل خطراً على المقاومين.

عمليات الحفر
وبينت أن كل مجموعة كانت تتولى الحفر تتكون من 8 إلى 10 مسلحين من عناصر «القسام»، ويتمثّل عملهم في حفر ونقل وإخراج «الرمل» من عمق النفق، ومن ثم إجراء عملية «التبليط» باستخدام الخرسانة أو غيرها من المواد المتوفرة، وتعمل يومياً 3 مجموعات تتناوب على العمل في النفق المخصص لها.

وأوضحت أن هناك أنفاقاً مركزية لصالح الألوية (مثل لواء غزة، خان يونس، الشمال) وغيرها، وهناك أنفاق تتبع لكل كتيبة داخل اللواء، وهناك أنفاق مخصصة لتخصصات عسكرية مختلفة، حيث يعمل نحو 100 عنصر في حفر الأنفاق المركزية التابعة لكل لواء.

وتختلف أنفاق الألوية عن أنفاق كل كتيبة أو سرية، حيث إن أنفاق الألوية مخصصة للقيادة والسيطرة والحماية أو لتخصصات معينة، ويتم وصلها في أنفاق بعض الكتائب لتكون ضمن عمل محدد لها.

ألوية وكتائب وسرايا
وتمتلك «كتائب القسام» منظومة عسكرية متكاملة إدارياً وتنظيمياً، تتشكل من 5 ألوية هي: لواء الشمال، ولواء غزة، والوسطى، وخان يونس، ورفح، وفي كل لواء كتائب عدة تتشكل من سرايا وفصائل وتشكيلات عسكرية، وتضم آلاف المقاتلين الذين يتدربون على أيدي مدربين بعضهم تلقى تدريبات عسكرية خارج القطاع، مثل لبنان وإيران ومن قبل في سوريا قبيل تدهور العلاقات بين الجانبين في أعقاب الأحداث الداخلية التي شهدتها البلاد بدءاً من عام 2011.

ويضم كل لواء هيئة لـ«القضاء العسكري»، وركن تصنيع، وهيئة رقابة، وركن أسلحة الدعم والقتال، وركن عمليات، وركن استخبارات، وركن الجبهة الداخلية، وركن القوى البشرية، وهيئة المعاهد والكليات.

ويقدر أن كل كتيبة كانت تعمد لتكليف 50 إلى 70 عنصراً منها للعمل في حفر الأنفاق الدفاعية، حيث كل كتيبة تمتلك عدة سرايا، وكل سرية لها خططها الدفاعية الخاصة.

ويشرف مسؤول العمليات في كل كتيبة على متابعة عمليات الحفر وتجهيز الأنفاق.

وقبيل الحرب، كان لدى «كتائب القسام» 24 كتيبة، منها 6 كتائب في الشمال، ومثلها في غزة، و4 في الوسطى، و4 في خان يونس، ومثلها في رفح، وتضم كل كتيبة، وفق المساحة الجغرافية للمناطق، ما بين 600 مقاتل حداً أدنى، و1200 حداً أقصى، وتضم كل كتيبة من 4 إلى 6 سرايا، وكل سرية تضم 3 أو 4 فصائل، وفق التوزيع الجغرافي، ويتكون الفصيل من 3 أو 5 تشكيلات، وكل تشكيل يضم ما بين 2 و3 عقد أو ما يسمى بـ«زمر»، ويضم كل فصيل نحو 50 فرداً، يضاف إليهم عدد آخر يعملون في مجال التخصصات المختلفة.

في حين كان يخصص جهد آخر للأنفاق الهجومية، ويشارك 40 عنصراً على مستوى اللواء، في عملية حفرها من دون أعداد الفنيين والمتخصصين الذين يتابعون العمل ويشرفون عليه باستمرار، حيث كان لها الدور الأبرز في تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية، خاصةً أن بعضها اجتاز الحدود كما جرى في عام 2014، عندما استخدمتها «كتائب القسام» في مهاجمة المستوطنات والبلدات الإسرائيلية آنذاك.

تقول المصادر إن عملية بناء الأنفاق وتجهيزها بكل هذه القدرات سواء المخصصة للدفاع أو الهجوم أو السيطرة والتحكم، كان يتم تجهيزها وفق عمل هندسي يمكن وصفه بـ«المحترف»، وباستخدام آلات هندسية ومولدات كهربائية وتوصيل المياه والكهرباء، والقيام بأعمال الحدادة، والبناء، وكلها كانت على أيدي فنيين كان لهم دور بارز في صناعة هذه الأنفاق التي تؤرق إسرائيل حتى الآن، ولم تستطيع تدميرها بالكامل.

تضيف المصادر أن كثيراً ما كانت تواجه المقاومين في الميدان عقبات خلال عمليات بنائها وتجهيزها، وهناك كثير من الأرواح فُقدت خلال عمليات التجهيز والإعداد، وهناك من أصيبوا بشلل أو بغيرها من الظروف الصحية نتيجة انهيارات في التربة أو أحداث غير متوقعة، كما كانت هناك تحديات أمنية ومحاولات إسرائيلية لتجنيد بعض العملاء سواء من المقاومين أو غيرهم لرصد أماكن الحفر وتخريبها بعد الانتهاء منها، ولكن لم تكن لدى مخابرات الاحتلال معلومات كافية عن ذلك.