أخبار اليوم - تأخر المطر هذا العام، فاهتزت قلوب الناس قبل أن تهتز الأرض، وبدأت الأسئلة القديمة تعود بأصوات جديدة: هل هو تغيّر مناخي وخلل في الطبيعة، أم غضب من السماء على مجتمع أثقلته الذنوب وأضعفته القيم؟ في المقاهي والمساجد والأسواق، وفي كل حديث عابر بين الناس، صار المطر محور النقاش، وكأن البلاد تنتظر من الغيم شهادة على حالها.
يقول بعض الأردنيين إن الجفاف ليس مجرد حالة طقس، بل رسالة معنوية تكشف ما في النفوس، فحين يُحرم الناس من الغيث، يتذكرون فجأة ظلمهم لبعضهم البعض، ونسيانهم للفقير، واستسهالهم للربا والاحتكار والغش. تتردد في الأحاديث آيات القرآن وأحاديث الاستغفار، ويعلو الصوت بأن الله لا يمنع المطر إلا حين يعمّ الفساد. ومع كل دعوة لصلاة الاستسقاء، تُفتح صفحات جديدة من النقاش عن الذنوب الجماعية والظلم الاجتماعي، وعن ضرورة إصلاح القلوب قبل السحاب.
في المقابل، هناك من يرى أن تحميل الناس وحدهم ذنب الجفاف نوع من التهرب من الحقيقة العلمية، فالعالم كله يواجه تغيّرًا مناخيًا واضحًا، والطقس لم يعد يعرف مواعيده. يقول هؤلاء إن الأردن بلد فقير مائيًا، يعتمد على السدود والمصادر المحدودة، وإن المشكلة ليست في المعصية بل في السياسة البيئية التي لم تتغير، وفي غياب التخطيط الذي جعلنا نعيش كل عام موسم قلق جديد. ويضيفون أن من السذاجة أن نربط المطر بالحفلات أو المظاهر، بينما لا نربطه بقطع الغابات، وتلوّث الهواء، وتراجع الزراعة.
وبين هذا وذاك، يظهر صوت ثالث أكثر هدوءًا، يرى أن المسألة ليست معركة بين الدين والعلم، بل مسؤولية مشتركة، فكما يحتاج الإنسان إلى الاستغفار يحتاج أيضًا إلى الإصلاح، وكما يُطلب منه الدعاء يُطلب منه العمل. المطر رحمة لا تأتي بالقول وحده، بل بالعدل بين الناس، وبرعاية الأرض كما نرعى الروح. فالسماء لا تمطر على مجتمع ظالم، ولا على أرض مهدورة، ولا على قلوب مغلقة عن الرحمة.
ما جرى في الأيام الأخيرة من جدل واسع بين الأردنيين، يعكس عطشًا أكبر من عطش الأرض، عطشًا إلى التوازن بين الإيمان والعقل، بين الاعتراف بالذنب والعمل على الإصلاح. ومع كل صلاة استسقاء تُقام، هناك في الوقت نفسه من يرفع يديه بالدعاء أن ينزل الغيث على القلوب أولًا، وأن يلين الله ما قَسا منها قبل أن يلين التراب.
هكذا يتحول المطر من ظاهرة جوية إلى مرآة لضمير المجتمع، تذكّرنا أننا مهما اختلفنا في التفسير، فإننا نتفق على حاجة واحدة لا تتغير: أن تنزل رحمة الله على هذه البلاد، وأن يبقى المطر بركة لا درسًا قاسيًا في حساب الغافلين.