أخبار اليوم - مع اقتراب بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بدأت موجة جديدة من الاستعدادات بين آلاف الأسر النازحة في جنوب ووسط قطاع غزة للعودة إلى مدينة غزة وأحيائها المدمرة.
وبالرغم من غياب ترتيبات واضحة للعودة، وعدم وجود ضمانات حقيقية بوجود مناطق آمنة أو بنية تحتية صالحة للسكن، يتمسك السكان بحقهم في الرجوع إلى بيوتهم، أو ما تبقى منها، بعد ما يقارب عامين من الحرب والنزوح.
سعيد كشكو، وهو ربّ أسرة من سكان شرق حي الزيتون، يعيش منذ شهور في خيمة بدير البلح بعد أن نزح مع عائلته إثر توسع العمليات العسكرية. ورغم أن منزله يقع في منطقة ما تزال تُصنّف "غير آمنة"، بدأ فعليًا بتجهيز بعض الحاجيات استعدادًا للعودة بعد الإعلان عن اقتراب موعد بدء المرحلة الثانية من الاتفاق.
يقول كشكو لصحيفة "فلسطين": "لا يمكنني البقاء أكثر في الخيمة، الوضع صعب جدًا، وأطفالي بحاجة إلى الاستقرار. أعرف أن منطقتنا ما زالت خطرة، لكن البيت يبقى بيتًا، حتى لو كان نصفه مدمّرًا."
ويؤكد أن العيش في المخيمات خلال العامين الماضيين دفعه إلى اتخاذ القرار رغم المخاطر، وخاصة مع شحّ المياه، وتدهور الظروف الصحية، وصعوبة الحصول على الطعام والدواء.
أما محمد مرشود، من حي تل الهوا جنوب غرب غزة، فيعيش حاليًا في خان يونس مع عائلته وإخوته الثلاثة وعائلاتهم الذين نزحوا جميعًا مع توسع الهجمات. ورغم أن بيته ما يزال سليمًا، إلا أنه يفضّل العودة في وقت يشعر فيه بأن "الأمور مستقرة".
يقول مرشود لـ"فلسطين": "البيت موجود والحمد لله، لكن بدون مياه، وبدون طرق صالحة، ومع بقايا الأنقاض في كل مكان… ما في معنى نرجع. بدي أرجع لما يكون في حد أدنى من الأمان وتكون الطرق مفتوحة والمياه رجعت."
ويأمل أن تشمل المرحلة الثانية من الاتفاق ترتيبات واضحة لإعادة الخدمات الأساسية، خصوصًا المياه وشبكات الصرف الصحي والطرقات.
عودة بلا منزل
أما ماهر أبو زاهر، من سكان أحد أبراج تل الهوا، فكان يعيش مع أسرته الصغيرة في شقة دمّرتها الغارات في الشهر الأخير من حرب الإبادة. واليوم، لا يملك أي مكان يمكنه العودة إليه، لكنه مع ذلك بدأ تجهيز نفسه للرجوع من دير البلح إلى مدينة غزة.
يقول أبو زاهر بحسرة لـ"فلسطين": "ما في بيت أرجع له… كل العمارة راحت. لكن مع الإعلان عن المرحلة الثانية قررت أرجع، وعلى الأقل أحاول أحصل على خيمة في أي مخيم بغزة. البقاء بعيدًا عن منطقتي صار أصعب من البقاء بلا بيت."
ويعبّر عن أمله في أن يجد بيئة أكثر استقرارًا داخل مدينة غزة بعد أن خفّت وتيرة الحرب وعادت الأمور نسبيًا إلى الهدوء.
واقع صعب يسبق العودة
من جهتها، قالت الأونروا في بيان حديث إن أعداد النازحين في غزة ما زالت تتجاوز المليون وسبعمئة ألف شخص، مشيرة إلى أن "الظروف الحالية لا تسمح بعودة آمنة أو مستقرة للسكان"، وأن البنية التحتية في غزة "تعرضت لتدمير واسع يشمل الطرق ومحطات المياه والمدارس والمرافق الصحية".
أما مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) فأكد أن أغلب مناطق شمال ووسط غزة ما تزال تفتقر إلى المياه الصالحة للشرب، وأن آلاف العائلات التي قد تعود ستواجه "بيئة تفتقر إلى الحد الأدنى من المقومات الإنسانية".
وفي تقرير لمنظمة الصحة العالمية، أشارت المنظمة إلى أن المرافق الصحية في مدينة غزة تعمل بنسبة تقلّ عن 15% مما كانت عليه قبل الحرب، محذّرة من أن عودة النازحين دون خدمات طبية أساسية "قد تتسبب في أزمة إنسانية جديدة".
ورغم هذه التحذيرات الدولية، تتمسك العائلات بحق العودة، مدفوعة بالتوق إلى منازلها أو أراضيها، حتى لو كان ذلك يعني الإقامة فوق الركام أو داخل خيمة جديدة.
ومع بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، تبقى الأسئلة مفتوحة: هل ستكون العودة فعلًا آمنة؟ وهل ستعيد المؤسسات الدولية خدماتها إلى المدينة؟ وهل سيحصل العائدون على الحد الأدنى من المقومات الإنسانية؟
وبين هذه التساؤلات، يجهّز سعيد ومحمد وماهر أمتعتهم، على أمل ألا يكون طريق العودة أصعب من طريق النزوح.
المصدر / فلسطين أون لاين