اخبار اليوم - تواجه مدينة غزة أزمة تعليمية حادة مع بداية العام الدراسي الجديد، نتيجة النقص الكبير في النقاط التعليمية القادرة على استقبال الطلبة، بعد تدمير معظم المدارس أو تحويلها إلى مراكز إيواء منذ بدء الحرب قبل عامين.
هذا الواقع ينذر بضياع عام دراسي ثالث على عشرات الآلاف من الطلبة، وسط غياب واضح للحلول الطارئة من الجهات المختصة، وتواصل تدهور البنية التعليمية بشكل غير مسبوق.
ورغم محاولات الأهالي والمبادرات المجتمعية توفير بدائل مؤقتة، فإن حجم الكارثة يفوق الإمكانات المتاحة، إذ تفتقر المناطق السكانية الكثيفة — مثل تل الهوى، الرمال، الصبرة، الشجاعية، الزيتون — إلى نقاط تعليمية تستوعب الأعداد الكبيرة من الطلبة الراغبين في استكمال تعليمهم.
لمى حسنين، فتاة في المرحلة الإعدادية، جاءت من وسط مدينة غزة إلى جنوبها بحثًا عن نقطة تعليمية تدرس فيها هي وإخوتها الأربعة، بعد أن رفضت جميع النقاط القريبة منهم استقبالهم.
تقول لصحيفة "فلسطين" إنها مشت من منطقة دوّار أبو مازن حتى تل الهوى بحثًا عن مدرسة أو نقطة تعليمية يمكن أن تستوعبهم، “لكن دون فائدة، فإمّا أن الأماكن ممتلئة، أو أن المرحلة الدراسية التي نحتاجها غير متوفرة”.
أما أحمد بركات، فبالكاد تمكن من تسجيل طفله في الصف الثاني في نقطة تعليمية قريبة من منزله، لكنها لن تكون متاحة له بشكل دائم، إذ إنها في الأساس مخصصة لطالب آخر ما يزال نازحًا في جنوب قطاع غزة، بينما سجلت عائلته اسمه في المبادرة لضمان مكان دراسي عند عودته.
ويتساءل بركات: “كيف يُحرم طفل من مقعده الدراسي بحجة الحفاظ على مكانٍ لطفل غير موجود؟”، مطالبًا وزارة التربية والتعليم في غزة بالتدخل العاجل وتنظيم المبادرات التعليمية بما يضمن العدالة والشفافية للجميع.
تعمل النقاط التعليمية، التي أقامها الأهالي داخل خيام أو مبانٍ مدمرة، على استقبال أعداد محدودة من الطلبة، وسط نقص حاد في الكوادر التدريسية والكتب والقرطاسية واللوازم الأساسية. لكن حتى هذه المبادرات لم تعد قادرة على مواكبة حجم الطلب، إذ يتنقّل آلاف الطلبة يوميًا بين أكثر من نقطة تعليمية بحثًا عن مقعد أو صف، وينتهي بهم المطاف دون قبول.
تقول ميسون شعث، إحدى القائمات على نقطة تعليمية في غرب غزة: “لدينا 1500 طالب يريدون الالتحاق، ولا نستطيع استقبال أكثر من 300. الأهالي يأتون كل يوم معتقدين أننا سنجد مكانًا لأطفالهم، لكننا عاجزون… الوضع يفطر القلب”.
وتوضح لـ"فلسطين" أن حرمان الطلبة من التعليم للعام الثالث على التوالي ستكون له آثار كارثية طويلة الأمد على المستويات التعليمية والنفسية والاجتماعية، مشيرة إلى أن الطلبة الذين فقدوا مدارسهم ومعلميهم وكتبهم أصبحوا مهددين بتعطل كامل في مسارهم التعليمي، خصوصًا طلبة الثانوية العامة الذين بات مستقبلهم الأكاديمي على المحك.
وحذّرت شعث من أن استمرار الوضع الحالي سيخلق فجوة تعليمية غير مسبوقة، وقد يؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب المدرسي وزيادة عمالة الأطفال، في ظل غياب البديل التعليمي وانتشار الفقر بين الأسر النازحة.
من جانبه، قال جواد الشيخ خليل إن الوزارة لم تتوقف عن متابعة جميع المبادرات التعليمية التي أقيمت في مختلف مناطق قطاع غزة خلال عامي الحرب وما بعدها، لافتًا إلى أن جميع المبادرات — سواء التابعة لليونيسف أو للمجتمع المحلي — تعمل تحت مظلة وزارة التربية والتعليم.
وأوضح في تصريح لصحيفة فلسطين أن هناك عملية تنظيم للمبادرات لتكون جاهزة لاستقبال الطلبة وفق التوزيع الجغرافي وعدد السكان، وبما يضمن استيعاب جميع الطلبة من الصف الأول حتى التوجيهي.
وأشار إلى أن الأمر ما يزال بحاجة إلى مزيد من التنسيق واستقرار عودة النازحين إلى مناطق سكنهم حتى يتسنى توفير المبادرات حسب الحاجة الفعلية وعدد الطلبة الملتحقين.
يُذكر أن عمليات ترميم المدارس تسير ببطء شديد، فيما تبدو إمكانية إعادة فتح المدارس المستهدفة شبه معدومة في ظل استمرار الدمار الواسع ونقص المواد بسبب الحصار الإسرائيلي. ويؤكد سكان محليون أن معظم المدارس في المدينة إمّا مدمرة بالكامل أو تعرضت لأضرار جسيمة جعلتها غير صالحة للتشغيل، إضافة إلى استمرار مئات العائلات في العيش داخل مدارس الوكالة والمدارس الحكومية، مما يمنع إعادة استخدامها كمؤسسات تعليمية.
مبادرات أهلية لا تكفي
بعض المبادرات التي يقودها متطوعون ومعلمون سابقون نجحت في التخفيف من حدة الأزمة، إلا أنها ما تزال محدودة للغاية، فالنقص الحاد في التمويل، وغياب الوسائل التعليمية، وعدم توفر أماكن مناسبة، جميعها عوامل تجعلها عاجزة عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة.
في ظل هذا الواقع، يعيش آلاف الطلبة وأسرهم حالة من القلق واليأس؛ فالأطفال الذين ارتدوا ملابسهم المدرسية استعدادًا لانطلاق العام الدراسي، وجدوا أنفسهم يقفون أمام نقاط تعليمية مكتظة لا تملك القدرة على استقبالهم.
وتحذر الجهات التربوية في غزة من أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يتسبب في “انهيار شامل للتعليم”، ويجعل إنقاذ جيل كامل أكثر صعوبة مع مرور الوقت.
ويبقى السؤال الأهم الذي يردده الأهالي يوميًا: إلى متى سيبقى أطفال غزة محرومين من أبسط حقوقهم… حقهم في التعلم؟
فلسطين أون لاين