من "سوق واقف" إلى "نهائي الحلم" .. الحسين بن عبد الله: أميرٌ في المدرج، وأخٌ في الميدان

mainThumb
من "سوق واقف" إلى "نهائي الحلم".. الحسين بن عبد الله: أميرٌ في المدرج، وأخٌ في الميدان

16-12-2025 03:02 PM

printIcon

بقلم: العنود الطلافيح

في ليلةٍ دوحيّةٍ لن تمحى من ذاكرة التاريخ الرياضي الأردني، لم يكن الحدث مقتصراً على المستطيل الأخضر فحسب، بل امتد ليرسم لوحةً وطنيةً وعربيةً باذخة الجمال، بطلها "النشامى" في الملعب، وسندهم "الحسين" في المدرج. ليلةٌ عبر فيها المنتخب الوطني الأردني إلى نهائي كأس العرب للمرة الأولى في تاريخه، بعد ملحمة كروية أقصى فيها شقيقه السعودي، ليعلن النشامى أنهم رقمٌ صعبٌ في معادلة الكرة العربية، وأن طموحهم يعانق عنان السماء.


ولعلَّ ما أضفى على هذا النصر نكهةً استثنائية، تتجاوز حدود التكتيك والأهداف، هو ذلك الحضور الطاغي والمختلف لسمو ولي العهد، الأمير الحسين بن عبد الله الثاني. لم يذهب سموه ليشاهد المباراة من خلف الزجاج العازل في المنصات الشرفية المكيّفة، بل اختار أن يكون "واحداً من الناس"، يشاركهم الهتاف، ويقاسمهم القلق، ويعانقهم فرحاً لحظة الانتصار.


لقد كسر ولي العهد قيود البروتوكول الرسمي لصالح "بروتوكول القلب"؛ فجلوسه بين الجماهير في المدرجات، لم يكن مجرد حضورٍ داعم، بل رسالةً سياسيةً واجتماعيةً بالغة العمق، مفادها أن القيادة في الأردن تنبض بنبض الشارع، وأن المسافة بين الأمير والمواطن تتلاشى حينما ينادي الوطن. رأينا فيه حماس الشباب، واتزان القادة، وتواضع الهاشميين الذي ورثه كابراً عن كابر.


وقبل أن تطلق صافرة البداية، كان "الحسين" يمارس دبلوماسية من نوع آخر في أزقة "سوق واقف" العتيق. هناك، حيث عبق التراث، بادر سموه لفتةً عفويةً أسرت القلوب، حينما اوعز بتوزيع "الكنافة" الأردنية على الجماهير. والمشهد الأجمل لم يكن في التوزيع فحسب، بل في الروح الرياضية العالية التي تجلت بتقديمه الحلوى للجماهير السعودية الشقيقة قبل الأردنية. في تلك اللحظة، حول ولي العهد التنافس الرياضي إلى تلاحم أخوي، مؤكداً أننا في ميادين الرياضة نتنافس بشرف، ونقتسم "الزاد والملح" والحلوى بمحبة، وأن الفائز في النهاية هي الروح العربية الواحدة.


أما عن الموقعة الكبرى، فقد أثبت "النشامى" أنهم رجال المواقف الصعبة. الفوز على المنتخب السعودي، بوزنه وثقله القاري، والعبور إلى النهائي الحلم، هو ثمرة تخطيطٍ وجهدٍ وعرق، توجتها عزيمة لاعبين آمنوا بأن المستحيل ليس أردنياً. لقد لعبوا بروحٍ قتالية استمدوها من هتافات الآلاف، ومن نظرات الفخر التي كانت تطل من عيني ولي العهد وهو يتابع كل تمريرة وكل هجمة.


هنيئاً للأردن هذا الجيل الذهبي، وهنيئاً لنا هذه القيادة الشابة التي تدرك أن الرياضة هي "القوة الناعمة" التي توحد الشعوب وترفع الرايات. لقد كانت ليلةً للتاريخ.. بدأت بـ "حلاوة" الكنافة في السوق، وانتهت بـ "حلاوة" النصر في الملعب، وتوسطها أميرٌ شاب قال بلسان الحال والمقال: "أنا منكم، ومعكم، وبكم نكبر".


مبارك للنشامى، ومبارك لكل أردني، وإلى نهائي الكأس.. فالكأس يليق بمن يملك هذه الروح، وهذا الجمهور، وهذا الأمير.