بين الركام والذكريات… "إياد" يحمل وجع فقد 8 من عائلته

mainThumb
بين الركام والذكريات… "إياد" يحمل وجع فقد 8 من عائلته

22-12-2025 09:40 AM

printIcon

أخبار اليوم - لم يحتجْ إياد رزق بدوي إلى استدعاء الذاكرة، فهي لا تفارقه منذ اليوم الأول للحرب. تعود إليه التفاصيل دون استئذان، محمّلة بثقل الفقد الذي لا يهدأ. منذ تلك اللحظة، لم يعد الزمن يمضي كما كان، بعدما فقد زوجته وسبعة من أبنائه في ليلة واحدة، وخرج من تحت الركام شاهدًا على فاجعة لا تُمحى.

في الثالث عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2023، اضطر بدوي إلى النزوح برفقة عائلته المكوّنة من 11 فردًا؛ ثمانية ذكور وثلاث إناث، هربًا من القصف المتواصل وبحثًا عن الأمان. ترك منزله مثقلًا بالخوف والقلق، متجاهلًا فكرة الرحيل، لكن هاجس حماية أبنائه كان أقوى من أي تعلق بالمكان، فتوجهوا جنوبًا إلى مدينة رفح، إذ لجؤوا إلى منزل أحد أقاربهم.

كانت لحظات الخروج مشبعة بالتوتر والارتباك، فالنزوح لم يكن قرارًا سهلًا، بل هروبًا تحت النار، في أجواء تختلط فيها الدعوات بالدموع. وبعد يومين من الوصول، حاولت العائلة أن تصنع لنفسها مساحة وهمية من الطمأنينة، متجاهلة أخبار الحرب وأصوات القصف، علّ الضحك والتسامر يمنحهم بعض السكينة المؤقتة.

يقول بدوي لـ "فلسطين أون لاين": "سهرنا في تلك الليلة حتى قرابة منتصف الليل، ثم ذهب كل واحد منا لينام". لكن تلك الليلة لم تكتمل، فبعد نحو ساعتين، استيقظ الأب مذعورًا، وقد قُذف من مكانه بفعل انفجار عنيف، فوجد نفسه ملقى على كومة من الرمل، يلفه الدخان والغبار من كل جانب، في حين ساد صمت ثقيل أربك حواسه.

في الدقائق الأولى، لم يكن يسمع الناس من حوله، ولم يرَ شيئًا بوضوح. مرت لحظات طويلة بدت كأنها دهور، قبل أن يبدأ وعيه بالعودة تدريجيًا. أخذ يلتفت حوله، لتصل إلى أذنيه أصوات الناس وهم يحاولون الاقتراب من المكان، يصرخون وينادون، باحثين عن ناجين تحت الأنقاض.

مع بدء عمليات الإنقاذ، جرى انتشال بناته وهنّ مصابات بإصابات متفاوتة، فيما واصلت طواقم الإسعاف والمتطوعون البحث تحت الركام. لحظات الانتظار كانت قاسية، حتى جاءت الصدمة التي لم يكن مستعدًا لها… إذ أُخرج أبناؤه واحدًا تلو الآخر، ليتبيّن استشهاد سبعة منهم، إضافة إلى زوجته "رندة"، في مشهد غيّر حياته إلى الأبد.

لم يكن الأمر سهلاً على إياد أن يفقد أفراد عائلته وزوجته، التي كانت رفيقته في الحياة، ويضيف: "كانت الأمور صعبة منذ البداية، ولا تزال كذلك. بعد أن علمتهم وربّيتهم، ها هم يرحلون في غمضة عين. كانوا من المتفوقين، البارين، حفظة القرآن، وكنت أرى فيهم مستقبلي وأملي".

ويتابع حديثه بحسرة: "شعرت وكأن ثلاثين سنة من الزواج، وكل ما أسسته خلالها من حياة وعطاء، ذهبت في لحظة، وكأنني بدأت صفحة جديدة من الصفر".

"أما زوجتي، التي تزوجتها زواجًا تقليديًا، فكانت نعم الرفيقة والصاحبة، دائمًا عونًا لي في السراء والضراء، وكل واحد من أبنائي كان له ركن خاص في قلبي، من محمد ومحمود وأحمد وطارق وعمر وباسل، كل واحد منهم يحمل جزءًا من حياتي وذكرياتي، وفقدانهم ترك فراغًا لا يُعوَّض"، وفق قوله.

كما أن كل من محمد ومحمود وأحمد تركوا خلفهم أزواجهم وأبنائهم الصغار الذين يفتقدون حنانهم.

وتحدثت شقيقة والدتهم، أم معتصم، التي لم تكن متواجدة معهم في ذلك المنزل، عن تلك الليلة المروعة، قائلة: "سهرت حتى الساعة الثانية عشرة، ثم حاولت النوم، لكن كلما أغمضت عيني، كنت أرى أناسًا يرتدون لباسًا أبيض يمشون باتجاهي، لم أفهم تفسير الأمر، لكن شعرت بالخوف والقلق الشديد".

وتضيف: "لم أستيقظ حقًا إلا على صوت هاتف زوجي، الذي أخبرني بالحادثة، وعرفت حينها حجم الفاجعة".

وتتابع أم معتصم حديثها عن شقيقتها: "فشقيقتي رندة، أم الشباب السبعة، كانت نعم الأخت، واستشهدت معها شقيقتي أمل واثنان من أبنائها. لقد تربينا على الحنان والمحبة، خاصة أننا لم يكن لدينا أشقاء ذكور، فكنا سندًا لبعضنا البعض، أما أبناء رندة السبعة فكانوا بمثابة إخوة وعون لنا، وغيابهم ترك فراغًا نفسيًا ومعنويًا كبيرًا".

لا تزال تشعر بخسارة "هائلة" بعد استشهادهم، إذ كان وجودهم يمنحها الدفء الأسري، ورغم مرور كل هذه الأيام، إلا أن الجرح يكبر ولا ينقص".

نجا إياد رزق بدوي بجسده، لكنه فقد روحه التي كانت معلّقة بوجوه أبنائه وضحكاتهم، وشريكة حياته التي ساندته في أيام الشدة والرخاء. ومنذ تلك الليلة، يعيش على ذاكرة مثقلة بالصور والأصوات، وشاهدًا حيًا على مأساة عائلة فلسطينية دفعت ثمن البحث عن الأمان.

المصدر / فلسطين أون لاين