لماذا يمتلك المسؤول حلولًا لكل أزمات الوطن بعد مغادرته المنصب؟

mainThumb
لماذا يمتلك المسؤول حلولًا لكل أزمات الوطن بعد مغادرته المنصب؟

28-12-2025 04:55 PM

printIcon

أخبار اليوم – سهم محمد العبادي - يفتح المشهد العام في الأردن نقاشًا متكررًا حول ظاهرة باتت مألوفة لدى الرأي العام، تتمثل في تحوّل عدد من المسؤولين، فور خروجهم من مواقعهم الرسمية، إلى شخصيات تمتلك حلولًا جاهزة لكل أزمات البلاد، من المديونية والبطالة، إلى السياسة والاقتصاد، مرورًا بالملفات الاجتماعية والثقافية والرياضية، وصولًا إلى قضايا تبدو وكأنها لم تكن ضمن صلاحياتهم يومًا.
في هذا السياق، يلاحظ مواطنون أن المسؤول السابق، ما إن يغادر منصبه، حتى يبدأ بالظهور المتكرر عبر المواقع والمنصات، متحدثًا بثقة عن أسباب الإخفاقات، وشارحًا مكامن الخلل، ومقدّمًا حلولًا تبدو في ظاهرها سهلة وواضحة، وكأن الأزمات التي تراكمت عبر سنوات لم تكن سوى نتيجة سوء إدارة من آخرين، لا علاقة له بها.
المفارقة التي تثير الاستياء، وفق متابعين، أن هذه الحلول نفسها لم تكن مطروحة عندما كان المسؤول في موقع القرار، بل إن الخطاب آنذاك كان مختلفًا تمامًا؛ تبرير، تهدئة، حديث عن تعقيد المرحلة، أو حتى إنكار لوجود المشكلة من الأساس. أما بعد مغادرة المنصب، فيصبح كل شيء واضحًا، وتتحول الأزمات إلى ملفات قابلة للحل السريع، ويظهر المسؤول السابق وكأنه كان يملك الإجابة لكنه لم يستخدمها.
ويرى محللون في الشأن العام أن هذه الظاهرة تطرح سؤالًا جوهريًا حول طبيعة العمل التنفيذي، وهل المشكلة في الأشخاص أم في البيئة الإدارية التي تُفرغ المنصب من قدرته الحقيقية على الفعل. فهناك من يعتقد أن الكرسي يفرض قيودًا وضغوطًا تحول دون اتخاذ قرارات حاسمة، بينما يرى آخرون أن غياب الرؤية والجرأة خلال فترة المسؤولية هو السبب الحقيقي في هذا التناقض.
في المقابل، يذهب رأي آخر إلى أن المسؤول بعد خروجه من المنصب يتحرر من الحسابات السياسية والالتزامات الرسمية، فيتحدث بلغة مختلفة، أقرب إلى الشارع وأبعد عن كلفة القرار، ما يجعل حديثه جذابًا لكنه غير ملزم، خاصة أنه لم يعد مطالبًا بتحمّل تبعات التنفيذ أو نتائج الفشل.
وتتجاوز هذه الظاهرة الجانب السياسي أو الاقتصادي، لتطال ملفات اجتماعية وثقافية ورياضية، بل وحتى قضايا علمية وتقنية، حيث يظهر بعض المسؤولين السابقين وكأنهم يمتلكون إجابات لكل شيء، بينما يتبخر هذا الاتساع في الطرح فور عودتهم إلى أي موقع رسمي.
وسط هذا الجدل، يطرح الشارع سؤالًا مباشرًا: هل المشكلة في المنصب الذي يقيّد القرار، أم في المسؤول الذي لا يملك الجرأة إلا بعد مغادرته؟ ولماذا لا تُطرح هذه الحلول وتُنفّذ عندما تكون السلطة والقدرة متوفرتين، بدل أن تبقى حبيسة التصريحات بعد التقاعد؟
يبقى هذا السؤال مفتوحًا في النقاش العام، في وقت يتطلع فيه المواطن إلى مسؤول يمتلك الرؤية قبل المنصب، ويتحمل مسؤولية قراره وهو على كرسي المسؤولية، لا بعد أن يغادره.