أخبار اليوم – يتوسع النقاش المجتمعي في الأردن حول واقع معيشي بات يفرض على المواطن خيارات قاسية، تبدأ بضيق الدخل ولا تنتهي عند بيع الأرض أو الارتهان للقروض، في مشهد يراه كثيرون نتيجة تراكمات طويلة لا تعالجها الحلول المؤقتة ولا تخفف من حدّتها برامج الدعم المحدودة.
في تفاصيل هذا الواقع، يواجه الأردني معادلة متكررة؛ الزواج يحتاج إلى سيولة غير متوفرة، والتعليم بات كلفته تفوق قدرة كثير من الأسر، والعلاج يشكل عبئًا ثقيلًا عند أول أزمة صحية، وفي كل مرة يجد المواطن نفسه أمام خيارين فقط: التفريط بأصل يملكه، غالبًا الأرض، أو اللجوء إلى القروض البنكية.
ولا يقف الأمر عند بيع الأرض، إذ يُدفع عدد متزايد من المواطنين إلى الاقتراض كحل اضطراري، ليبقوا بعدها رهائن للبنوك والفوائد، في حلقة استنزاف طويلة الأمد تلتهم الدخل الشهري وتقيّد القدرة على التخطيط أو الادخار، وتحوّل القرض من أداة طارئة إلى التزام دائم يرافق الأسرة لسنوات.
ويرى مواطنون أن المشكلة لم تعد في الفقر كحالة اقتصادية، بل في غياب البدائل. فحين تُستنزف المدخرات، وتضيق فرص العمل، وتزداد كلف المعيشة الأساسية، يصبح بيع الأرض أو الاقتراض قرارًا مفروضًا لا خيارًا حرًا، ويتحول الفقر إلى مسار اجتماعي متدرج يُدفع إليه الفرد دون شبكة أمان حقيقية.
ويشير متابعون إلى أن السياسات العامة، رغم تعدد العناوين، لم تقدم حلولًا جذرية لمسائل أساسية تمس حياة الناس اليومية، مثل كلفة التعليم، والرعاية الصحية، ومتطلبات تأسيس الأسرة، وتنظيم الإقراض وحماية المقترضين، ما جعل المواطن يتحمل العبء منفردًا، بين فقدان الأصول أو فقدان الاستقرار المالي.
ويطرح هذا الواقع أسئلة أوسع في النقاش العام حول شكل الحماية الاجتماعية المتاحة، وحدود دور الدولة في تخفيف الضغوط، ولماذا لم تُطرح حتى الآن بدائل حقيقية تُبقي الأرض في يد أصحابها، وتمنع تحوّل القروض إلى مصير دائم، وتحمي الطبقة الوسطى من الانزلاق نحو الفقر طويل الأمد.
في ظل هذا المشهد، يتفق كثيرون على أن معالجة الأزمة لا تكون بتوسيع الإقراض ولا بدفع المواطن إلى بيع ما يملك، بل بسياسات شاملة تعالج جذور المشكلة، وتوفّر تعليمًا ميسّرًا، وعلاجًا آمنًا، وفرص عمل مستقرة، حتى لا يبقى بيع الأرض أو الاستدانة الطريق الوحيد لتأمين متطلبات الحياة والأسرة.