هل صار “زواج الثانية” موضة كلام… أم حلّ اجتماعي يُطرح بعصبية؟

mainThumb
هل صار “زواج الثانية” موضة كلام… أم حلّ اجتماعي يُطرح بعصبية؟

27-12-2025 04:00 PM

printIcon

أخبار اليوم - خلال الفترة الأخيرة، عاد الحديث عن الزواج من ثانية بقوة إلى الواجهة، بطريقة تثير الاستغراب أحيانًا قبل أن تثير الجدل. الموضوع، الذي يفترض أن يبقى في دائرة الفقه والقدرة والظروف الخاصة بكل أسرة، خرج إلى المجال العام على شكل نصائح عابرة، ومقاطع ساخرة، وفتاوى تُقال بخفة، ثم تُشعل موجة ردود تمتد من الاستنكار الديني إلى السخرية الاجتماعية، ومن الدفاع عن “الشرع” إلى الاتهام بأن القضية تحولت إلى بحث عن التريند أكثر من بحث عن حل.

النقاش الذي دار بين المواطنين أظهر أن كثيرين لا يعترضون على أصل الفكرة من حيث الحكم الشرعي، لكنهم يعترضون على طريقة تسويقها، وعلى تحويلها إلى شعار يرفع في وجه الناس من دون الحديث عن الشروط التي تجعلها ممكنة أو عادلة. فهناك من يرى أن المشكلة بدأت عندما صار بعض المتحدثين يقفزون مباشرة إلى “مثنى وثلاث ورباع” وينسون بقيّة الآية، أو يختزلون النص القرآني في جزء واحد، ويتركون ما قبله وما بعده من سياق القسط والعدل والخشية من الظلم. لهذا، حضرت في النقاش أصوات تؤكد أن الأصل في الحياة الزوجية الاستقرار، وأن التعدد رخصة بضوابط صارمة، لا وصفة جاهزة تُرمى في وجه كل زوجة وكل بيت.

اللافت أن الجدل لم يبقِ النقاش في حدوده الدينية فقط، بل تمدد إلى سؤال اجتماعي جارح: هل فعلاً حل “العنوسة” يكون بتوسيع دوائر الزواج على حساب أسر قائمة؟ مواطنون طرحوا هذا السؤال بصراحة، وقالوا إن أي خطاب يدعو للتعدد وهو يتجاهل ما يترتب عليه من كلفة مادية ونفسية وتربوية، يدفع ثمنه الأطفال أولًا، ثم الزوجة الأولى، ثم المجتمع كله عندما تتسع دائرة التفكك. في المقابل، ظهر رأي آخر يرى أن وجود أرامل ومطلقات وظروف اجتماعية صعبة يجعل التعدد خيارًا موجودًا تاريخيًا، لكن بشرط القدرة والعدل الحقيقي، لا القدرة في الكلام فقط.

ومن زاوية أخرى، بدا أن كثيرين متضايقون من تحوّل الموضوع إلى مادة استعراض. بعض التعليقات ذهبت مباشرة إلى الشخص المتحدث بدل الفكرة، وسألته: كم زوجة لديك؟ هل تطبق ما تقول؟ وأحيانًا تحولت الأسئلة إلى سخرية علنية، ما يعكس أن الناس لم تعد تتعامل مع هذا النوع من “النصيحة” بوصفها إرشادًا، بل بوصفها محاضرة من فوق، أو محاولة لإثارة الضجيج. هذا التحول في استقبال الخطاب مهم، لأنه يوحي بأن المجتمع بات يميز بين من يناقش بجدية ومن يسعى لإشعال ساحة الكلام ثم الانسحاب.

في قلب الجدل أيضًا، ظهرت فكرة أكثر حساسية: هل أصبحت المرأة تُقدَّم كقيمة “تسويقية” في بعض الطروحات؟ جزء من المواطنين شعر أن طريقة تناول الموضوع تسحب المرأة من موقع الشراكة والكرامة إلى موقع المقارنة والعدد، وكأنها “فرصة” تُعرض، أو حلّ يُستهلك، لا إنسانة لها حقوق ومشاعر ومصير وأسرة. لهذا جاءت ردود تحذر من التعامل مع الزواج كأنه قرار يُتخذ بروح المزاح، أو كأنه “ترقية” للرجل بمجرد زيادة الرقم.

ومع ذلك، لم يُغفل النقاش زاوية واقعية: كثيرون قالوا إن المشكلة الكبرى ليست في التعدد ولا في رفضه، بل في صعوبة الزواج أصلًا. شباب كثيرون لا يستطيعون فتح بيت واحد، فكيف يجري الكلام عن بيوت متعددة وكأنه أمر سهل؟ هنا ظهر تناقض واضح: مجتمع يشكو من غلاء المهور، وأعباء السكن، والبطالة، ثم يسمع نصائح عن “الزواج من ثانية” كأنها حلّ عام. هذا التناقض جعل البعض يعتبر أن النقاش كله ينطلق من فراغ اقتصادي، وأنه يعكس انفصالًا عن حياة الناس اليومية أكثر من كونه معالجة لمشكلة اجتماعية.

في ظل هذا السجال الواسع، يبدو أن الإشكالية لا تتعلق بفكرة الزواج من ثانية بحد ذاتها، بقدر ما تتعلق بطريقة طرحها وتوقيت تداولها وحدود المسؤولية في تناولها. فحين يتحول موضوع حساس بهذا العمق إلى مادة جدل عابر أو وسيلة لإثارة الانتباه، يفقد معناه الاجتماعي والديني معًا. النقاش الحقيقي، كما يراه كثيرون، يجب أن ينطلق من واقع الناس لا من الشعارات، وأن يوازن بين النص والقدرة، وبين الاستقرار الأسري والظروف المعيشية، بعيدًا عن الاستعراض أو البحث عن ضجيج مؤقت يترك أثره الأثقل على البيوت قبل أي مكان آخر.