الحق على المزراب!

mainThumb
الحق على المزراب!

30-12-2025 10:20 AM

printIcon

بقلم: نورالدين نديم

لا تخطئ العين المشهد، ولا يحتاج المواطن إلى خبير أرصاد ليفهم ما جرى:
مطر نزل… فغرقت المدن.
شوارع أُغلقت، بيوت داهمتها المياه، سيارات ابتلعتها الحفر، وانهيارات في طرق حديثة العهد بالإسفلت والافتتاحات الرسمية.
ثم، كالعادة، صمتٌ ثقيل، أو تصريحات باردة تُقنعنا أن المشكلة في “قوة المطر” أو “سرعة الرياح”، أو – في نسخة أكثر ابتكارًا – في مزاريب المواطنين.
نعم، المزراب.
ذلك المتهم الدائم الذي يُستدعى كل شتاء ليحمل وزر التخطيط المرتبك، والتنفيذ المرتخي، والرقابة الغائبة.

الأردن بلد يعرف المطر منذ آلاف السنين، ومرّت عليه عواصف ومنخفضات أقسى مما نشهده اليوم.
الجديد ليس المطر… الجديد أن مدننا باتت أضعف منه.
كيف تغرق شوارع رئيسية وحديثة الإنشاء مع أول اختبار جدي؟
وكيف تتحول ميادين عامة إلى أحواض سباحة؟
وأين تذهب كل تلك الملايين التي صُرفت على “تطوير البنية التحتية”؟

حين تقول جهة رسمية إن شبكة الصرف “جيدة ومقبولة”، فالسؤال البسيط:
جيدة لأي طقس؟
ومقبولة لأي مدينة؟
البنية التحتية لا تُقاس في الأيام العادية، بل في أسوأ الظروف.
وما رأيناه هذا الأسبوع يقول بوضوح: التبرير هنا مجاملة، والجودة مجرّد ادّعاء.

في الكرك -على سبيل المثال- لم يكن المشهد عادياً.
انهيار جزء من سور أثري بجوار القلعة فتح جرحًا أعمق من مجرد أضرار مادية.
قلعة صمدت قرونًا، بُنيت بعلم هندسي يعرف كيف يُصرّف الماء ويحتويه، بينما نعجز اليوم عن الحفاظ على هذا الكنز الأثري، وحماية حجارته وجدرانه الملاصقة لمشاريع طرق حديثة كلّفت الملايين.
ليس هذا مجرّد طقسٍ قاسٍ… هذا مطر كشف المستور.
سدود تفيض، وبيوت تغرق، وطرق تنهار، واستجابة مشكورة من رجال الدفاع المدني ونشامى الأمن العام، ولكن فيما يخص البلديات وأمانة عمّان لا نقول إلّا "العليق وقت الغارة ما ينفع"!..
تُعلن الجهات المختصة عن فيضان سدود ونِسب تخزين مطمئنة، فنفرح.
ثم نرى في المقابل بيوتًا تغرق، وأحياء تُعزل، وأسرًا تقضي الليل وهي تراقب الماء يزحف نحو أثاثها.
مفارقة موجعة:
مياه الخير تُخزَّن في مكان، وتتحول إلى كارثة في مكان آخر.
المسؤولية لا تنزل مع المطر
المشكلة ليست في المنخفضات، بل في الميدان، وداخل غرف المسؤولين، في من يخطّط ويشرف ويدير المشهد على الأرض.
المشكلة في المشاريع التي تُصمَّم لاستعراض الإفتتاحات، والتقاط الصور، والتسابق على قص الشريط لا للعمر تمتين البنية التحتية، وإعمار الأرض، وحماية الممتلكات.

لدينا ثقافة رسمية تبحث عن شمّاعة لا عن حل.
أيّها السادة: الحق ليس على المزراب.
الحق على من قدّر وقررّ، وعلى من نفّذ، ومن راقب، ثم اختار أن يلوذ بالصمت.
وإلى أن نعترف بكل ما سبق ذكره، سيبقى المطر اختبارًا نفشل فيه كل عامٍ للأسف، ويبقى الوطن والمواطن أول من يدفع الثمن.