التصعيد الإيراني على الحدود الأردنية - السورية

mainThumb

23-12-2023 12:46 PM

printIcon

أحمد عبد الحافظ ضيف الله الضرابعة


مع تزايد وتيرة محاولات تهريب المخدرات والأسلحة من سورية إلى الأردن، فإنه من الصعب على الباحثين في هذه المسألة إغفال الدور المؤثر الذي تلعبه إيران في ذلك، فعند النظر إلى خريطة انتشار القوى وتوزّعها في الجغرافيا السورية، فإن إيران تملك أكبر نفوذ عسكري في سورية مقارنة مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى، إذ بلغ عدد المواقع العسكرية الإيرانية في سورية منتصف العام الحالي 570 موقعاً عسكرياً، يتركز حضور الكثير منها في مناطق سورية الجنوبية، فمن ناحية عملية، تعد الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران قائمة بالقوة في تلك المناطق، وتتخذ منها مركزاً لتصنيع المواد المخدرة والتجارة بها. تكمن أهمية المتاجرة بالمواد المخدرة بالنسبة لإيران والنظام السوري في أنها تعد مصدر دخل للطرفين، فإيران توفّر الدعم اللازم للميليشيات التي تقودها في سورية لتكون قوى منتجة ومعتمدة على ذاتها فيما يخص نفقاتها، أما النظام السوري، رغم أنه عاجز عن فرض سيادته الكاملة على الجغرافيا السورية، فإن تقارير عديدة تتحدث عن ضلوعه في التجارة بالمواد المخدرة نتيجة العقوبات التي فُرضت عليه بعد صدور قانون قيصر الأميركي - الذي لا يبرر قطعاً إخلاله بوظائفه الأمنية والتزاماته تجاه محيطه الإقليمي -، حيث لجأ للتجارة المباشرة بالمخدرات، أو التواطؤ مع مصنّعيها وتوفير الغطاء الأمني لعمليات التهريب التي تنفّذها الميليشيات التي تتلقى دعماً إيرانياً من الأراضي السورية إلى دول الجوار، وفي مقدّمتها الأردن، بموجب تسوية مع تلك الميليشيات يجني من خلالها الأرباح، وقد أحبطت القوات المسلحة الأردنية منذ سنة 2021 إلى اليوم أكثر من 60 مليون حبة كبتاجون على الواجهة الشمالية الشرقية. إن تصنيع المواد المخدرة والاتجار بها من قبل النظام السوري والميليشيات المرتبطة بإيران، لم تكن دوافعه اقتصادية أو تجارية بحتة في المنظور الأردني على الأقل، فمنذ بضع سنوات دأبت إيران على استفزاز الأردن والتحرش بأمنه الوطني، من خلال تصريحات قائد "فيلق القدس الإيراني" قاسم سليماني قبل مقتله في العراق، أو من خلال توجيه ميلشياتها في سورية للضغط على الأردن الذي يتمتع بجغرافيا تفتح شهية إيران، إذ يحدّه من الغرب إسرائيل، ويعتبر البوابة الشمالية لدول الخليج العربي، ولم يتردد الهالك سليماني في كشف نوايا بلاده تجاه الأردن التي على ما يبدو ما زالت حاضرة في العقل السياسي الإيراني. كما أن حدود الأردن مع سورية لم تعد هي المساحة الوحيدة التي تمارس فيها إيران الضغط على الأردن، فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة احتشدت ما تُسمى قوات الحشد الشعبي في العراق - التي أشرف على تأسيسها قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني- على الحدود الأردنية العراقية، بزعم نصرة المقاومة في غزة، رغم أن المعطيات الموضوعية تُسهّل انتقال تلك القوات من العراق إلى فلسطين عبر لبنان وسورية اللتين تسيطر على حدودهما الميليشيات المدعومة من إيران، إلا أن الهدف الحقيقي وراء ذلك هو مراكمة الضغط على الأردن، مستغلةً الغضب الشعبي بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، ومحاولة لتوجيهه نحو الحكومة الأردنية لإثارة القلاقل فيه وزعزعة استقراره. إن تلك التحديات حين تفرض نفسها، فلا بديل للأردنيين عن الوقوف صفاً واحداً خلف قيادتهم، وجيشهم العربي الذي لطالما كان هو الضامن الوحيد لنقل البلاد إلى واحة الأمان حين تطفو الأزمات على السطح، ورغم أهمية التركيز على ما يجري في الأراضي الفلسطينية، إلا أن أول وظيفة للدولة، هي الحفاظ على الدولة نفسها وإدامة أمنها واستقرارها، وإن تأمين الأردن والدفاع عن مصالحه الوطنية يعني ضمنياً قوة موقفه تجاه القضية الفلسطينية، ومن شديد الأسف أن يخوض الأردن حرباً مفتوحة على حدوده الشمالية، ويقدم بواسل الجيش العربي الأردني أرواحهم فداءً له، فيما تتعمد أحزاب محليّة عديدة صرف النظر عن ذلك وكأنه ليس شأناً وطنياً، بل تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وتوجّه طاقاتها للمزايدة على الأردن في مواقفه تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، وقضايا إقليمية أخرى لأغراض التكسّب الشعبوي الرخيص وركوب الموجات. لعله من الإنصاف القول، بأن الحزب الذي لا ينصر وطنه لا خير فيه.