كما كان متوقعاً، فقد صدرت الإرادة الملكية السامية بإرجاء الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة ودعوته للاجتماع بتاريخ 18/11/2024، بالتالي سيكون أمام أعضاء مجلس النواب العشرين وقت كافٍ قبل بدء اجتماعات المجلس للتحضير والاستعداد لمواجهة الاستحقاقات الدستورية القادمة على مستوى المجلس النيابي نفسه، وفي مجال علاقته مع الحكومة.
وهنا يثور التساؤل الدستوري الأبرز حول كيفية الاستفادة من الفترة الزمنية القادمة قبل اجتماع مجلس الأمة في دورته العادية بالنسبة لطرفي المعادلة؛ مجلس النواب والحكومة، فالصفة المشتركة بينهما أنهما حديثا العهد، ولم يمض على تشكيلهما سوى أسابيع معدودة.
بالنسبة لمجلس النواب، فإن فترة تأخير اجتماعه في دورته العادية ستكون فرصة مواتية لأعضائه لترتيب البيت الداخلي، وذلك من خلال محاولة الاتفاق على شخص رئيس المجلس للسنة القادمة وأعضاء المكتب الدائم من نواب ومساعدين. فالأسابيع القادمة قبل بدء جلسات المجلس ستشهد حراكا انتخابيا كبيرا بين الأعضاء الطامحين في تولي سدة رئاسة المجلس وأولئك الذين يرغبون في الخدمة أعضاء في المكتب الدائم.
كما ستكون فترة الإرجاء فرصة كافية للعمل على توزيع أعضاء مجلس النواب الجديد على اللجان النيابية وذلك وفق تخصصاتهم وخلفياتهم الوظيفية والمهنية، ومحاولة الاتفاق على اختيار رؤساء هذه اللجان ومقرريها وفق أحكام النظام الداخلي لمجلس النواب.
وسيعطي تأخير موعد الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة النواب فرصة إضافية للتعارف والتشاور فيما بينهم حول آلية تنسيق العمل، وإعطائهم الوقت الكافي لتشكيل الكتل النيابية التي يُفترض بها أن تكون هي الأساس في ممارسة العمل النيابي. فتجمعات الأعضاء المنتخبين في كتل نيابية سيتعاظم دورها في المجلس الجديد، خاصة في ظل وجود نواب حزبيين جرى انتخابهم على مستوى الدائرة الانتخابية العامة.
ويمكن أيضا استغلال الفترة الزمنية قبل انطلاق موعد الدورة العادية الأولى من قبل الأحزاب السياسية لكي تقوم باستقطاب نواب جدد إلى أحزابها، فتزداد حصتها من الأعضاء في الكتل الحزبية داخل المجلس الجديد، وبالتالي يكون لها تأثير أكبر في سير العمل التشريعي والرقابي.
إن ما يميز القوائم الانتخابية التي خاضت الانتخابات الأخيرة على مستوى الدوائر المحلية أنها كانت عبارة عن تجمع عدد من المترشحين الذين لم تربط السواد الأعظم منهم أية روابط حزبية أو سياسية أو حتى فكرية. فكانت مجرد وسيلة للوصول إلى مجلس النواب، وانتهت بانتهاء العملية الانتخابية وإعلان النتائج النهائية. وهذا ما يزيد من عدد النواب المستقلين في المجلس الجديد الذين ستسعى الأحزاب السياسية إلى "تحزيبهم" واقناعهم بالانضمام إليهم.
في المقابل، فإن إرجاء اجتماع مجلس الأمة في دورته العادية سيعود بالنفع على الحكومة الحالية، التي سيكون أمامها استحقاقات دستورية هامة وتشابكات إيجابية مع مجلس النواب الجديد، أهمها تقديم البيان الوزاري للحصول على ثقة أعضاء المجلس عليه. فهذه المواجهة الأولى بين الحكومة ومجلس النواب العشرين لن تكون سهلة، حيث سيسعى النواب الجدد إلى استعراض مهاراتهم النيابية أمام قواعدهم الشعبية والحزبية مع بداية العمر الدستوري للمجلس الجديد.
كما سيتيح تأخير اجتماع مجلس النواب العشرين المجال أمام الحكومة للتركيز على مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2025، والذي يجب تقديمه كالتزام دستوري بحد أقصى بداية شهر كانون الأول القادم، وذلك عملا بأحكام المادة (112) من الدستور التي تنص على أن "يُقدم مشروع قانون الموازنة العامة متضمنا موازنات الوحدات الحكومية إلى مجلس الأمة قبل ابتداء السنة المالية بشهر واحد على الأقل للنظر فيه وفق أحكام الدستور".
إن غياب مجلس النواب خلال الأسابيع القادمة وعدم تأديتهم القسم الدستوري لغايات الشروع في العمل سيمكن الحكومة من التركيز على إعداد بيانها الوزاري وقانون الموازنة العامة دون أن يشغلها عن ذلك مظاهر الرقابة السياسية التي قررها المشرع الدستوري لأعضاء مجلس النواب في مواجهة الحكومة والوزراء العاملين فيها، والتي تتمثل بالسؤال والاستجواب وطلب عقد جلسات مناقشة عامة وتقديم عرائض لطرح الثقة فيها.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com