أم محمَّد محرَّم .. أمّ لثلاثة أجساد مشلولة في خيمة لا تليق بالحياة

mainThumb
أم محمَّد محرَّم... أمّ لثلاثة أجساد مشلولة في خيمة لا تليق بالحياة

16-07-2025 10:04 AM

printIcon

أخبار اليوم - في خيمة بالية لا تقاوم حرّ الصيف ولا برد الشتاء، وعلى أرضية ترابية قاسية، تعيش أم محمد محرم، سيدة في السابعة والخمسين من عمرها، مع أبنائها الثلاثة المصابين بالشلل الدماغي الكامل المصحوب بإعاقات عقلية وحركية شديدة، تعتني بهم وحدها.

أكبر أبنائها، محمد (34 عامًا)، ثم فضل (32 عامًا)، وأصغرهم فاطمة (29 عامًا)، لا يتحركون، لا يتكلمون، لا يستطيعون التحكم في أجسادهم، ويعانون إلى جانب إعاقتهم من أمراض جلدية مزمنة مثل الصدفية والتقرحات بسبب السكون الطويل وسوء النظافة وقلة الحركة.

قبل الحرب، كانت الأسرة تسكن في جباليا شمال قطاع غزة، وكانت أم محمد تتلقى دعمًا من جمعية الإغاثة الطبية التي وفّرت لهم أدوية، حفاضات، وكراسي متحركة، لكن الحرب الإسرائيلية التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، دمّرت كل شيء، أجبرت العائلة على النزوح ثماني مرات حتى استقرت في خيمة بدائية في دير البلح، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.

تقول أم محمد بنبرة صوت مكسورة لصحيفة "فلسطين":" أنا تعبانة من كل شيء.. الجوع، المرض، الوحدة، ما في حد بيهتم بأولادي غيري، بنام وإيدي على قلبي.. بخاف من كل شي، وبالأخص من بكرا.. إذا متت، مين رح يسأل عنهم؟"

تعاني هي الأخرى من ارتفاع ضغط الدم، السكري، والتهاب الأعصاب، ورغم ذلك، تقضي يومها في تنظيفهم، تغيير ملابسهم، محاولة إطعامهم، وتخفيف آلامهم، وكل ذلك دون كهرباء، أو دواء، أو حتى ماء نظيف.

ورغم بعض الوعود من مؤسسات كانت تتطلع على وضعها إلا أنها لم تتلقَّ أي دعم حقيقي حتى اليوم:" بس بدي مكان آمن، يكون في حمام وسرير، مش أكتر.. ولادي كبروا، كل واحد عمره فوق الثلاثين، مش مقبول يعيشوا بهذا الشكل المهين" تقولها بعينين دامعتين.

ما تعانيه أم محمد ليس حالة استثنائية، فحسب تقارير محلية، يُقدَّر عدد المصابين بالشلل الدماغي في قطاع غزة بآلاف الحالات، غالبيتهم من الأطفال والشباب.

قبل الحرب، كانت بعض المؤسسات تقدم جلسات علاج طبيعي ودعم نفسي ورعاية منزلية، لكنها اليوم إمّا دُمّرت أو توقفت بسبب نقص التمويل أو الاستهداف الإسرائيلي المباشر.

تشير جمعية الإغاثة الطبية في قطاع غزة إلى أن ذوي الإعاقات الحركية والعقلية هم الفئة الأكثر تهميشًا وتضررًا في هذه الحرب، فقد أُغلقَت مراكز التأهيل، وتوقفت التحويلات الطبية للخارج، ونفدت معظم الأدوية، حتى المسكنات الأساسية.

وإلى جانب الحرمان الصحي، فإن النزوح أفقدهم البيئة المناسبة، ما تسبب في تدهور حالتهم الجسدية والنفسية، فقد وُضِع كثير منهم في خيام لا تتوفر فيها خصوصية أو حمامات مناسبة، ولا حتى رعاية خاصة، ما زاد من تفاقم التقرحات الجلدية، والتهابات المفاصل، وحالات الاختناق الليلي، إضافة إلى الانهيار النفسي للمرافقين.

وفي ظل استمرار الحرب، تشير شهادات ميدانية إلى أن بعض الأطفال المصابين بإعاقات دماغية تُركوا في أماكن النزوح دون رعاية، وبعضهم توفي بسبب نقص الرعاية الطبية أو انعدام التغذية المناسبة، دون أن يُذكروا في أي بيان رسمي أو إعلامي.

قصة أم محمد تلخص معاناة الآلاف في غزة، لكنها أكثر فداحة لأنها تسكن في مربع الألم الكامل: مرض، ونزوح، وفقر، وغياب تام لأي مساندة إنسانية أو طبية أو مجتمعية.



 فلسطين أون لاين