أخبار اليوم - وضع اللمسات الأخيرة على تجهيزات فرحة العمر كان ما يشغل بال الشابة صابرين الخيري خلال شهر رمضان الفائت، فقد كانت تسابق الزمن لتجهيز مستلزماتها بصفتها "عروسًا" وأثاث شقة الزوجية التي ستجمعها أخيرًا بخطيبها تامر الديب، لكن ليلة الثامن عشر من مارس حملت لها ما لم تتوقعه يومًا...
فالشاب المحامي الديب (27 عامًا) الذي تعرف إلى خطيبته المحامية صابرين الخيري (27 عامًا) بكونها زميلة له في العمل قبل ثلاث سنوات، ليجد فيها كل ما يتمناه في شريكة عمره، كان عازمًا على الارتباط بها ثم السفر سويًا للخارج. لكن الحرب الإسرائيلية على غزة التي اندلعت في أكتوبر من عام 2023م أجلت هذا الارتباط كثيرًا.
فقد نزح الديب مع عائلته من غزة إلى جنوب قطاع غزة في مدينة خانيونس، وكان الحال مشابهًا لدى صابرين التي نزحت أيضًا إلى المدينة ذاتها، فقررا تأجيل مشروع الزواج إلى حين تحسن الأوضاع والعودة إلى مدينة غزة.
وبعد أن وجدا أن الحرب قد طال أمدها، تقدم الديب لخطبة صابرين وتم عقد القران في الخامس عشر من يوليو من العام الفائت على أن تتم مراسم الزواج في غزة بين الأهل والأصدقاء.
وبعد أن تم سريان الهدنة بين المقاومة في غزة والاحتلال الإسرائيلي، وعاد المواطنون إلى شمال القطاع، ظن الخطيبان أن الحياة قد اتسع صدرها لحلمهما بالارتباط، فشرعت صابرين بشراء الملابس وتجهيز نفسها للزفاف، فيما كانا يضعان اللمسات الأخيرة على بيت الزوجية حيث كان موعد الزفاف بعد عيد الفطر بأسبوع واحد فقط.
يقول الديب لصحيفة "فلسطين": "كانت صابرين بشكل شبه يومي في السوق لشراء مستلزماتها وكنت أرافقها في أغلب تلك المشاوير، وكانت السعادة غامرة بقرب تحقيق حلمنا بأن نكون معًا".
ولكن ليلة الثامن عشر من مارس حملت للخطيبين ما لم يتوقعاه يومًا، إذ انقض الاحتلال الإسرائيلي على اتفاق التهدئة وعلى حلمهما أيضًا. فقد استيقظ الديب على أصوات القصف الإسرائيلي واتصل كعادته بخطيبته صابرين ليوقظها لتعد طعام السحور لأسرتها، لكنها لم ترد.
دخل القلق إلى قلب تامر، فـ"صابرين" بالعادة ترد فور اتصاله بها، "اتصلت عشر مرات ولم ترد، قلبي انقبض وتوترت وخفت. بعد خمس دقائق جاءني اتصال من ابن عمها براء وقال لي: "ضربوا بيت صابرين".
هرول الديب مسرعًا من حي الشجاعية نحو المستشفى المعمداني في ظلام الليل وتحت أزيز الطائرات، وأخذ يبحث بين الشهداء والجرحى عن صابرين فلم يجدها، فأتاه اتصال آخر من براء يخبره بأنها موجودة في المستشفى الأردني في تل الهوى.
أسرع الديب إلى هناك جريًا، وعندما مرّ ببيت صابرين ورأى كومة من الحجارة فقد الأمل في أنها قد تكون على قيد الحياة، وشكّ بأن ابن عمها أراد تخفيف وقع الصدمة عليه وتهيئته نفسيًا لخبر استشهادها.
يقول: "وصلت للمشفى الأردني فأخبروني بأن صابرين في غرفة العمليات بعد أن سقطت على الأرض مع شدة القصف، وأصيبت بكسر في العمود الفقري وتسببت شظية في تفتيت رجلها اليمنى، ويقوم الأطباء ببترها!"
دخل الديب في حالة من الانهيار بين عدم تصديقه بأن صابرين ما زالت على قيد الحياة بعد أن فقد الأمل بذلك، وبين حزنه على ما أصابها من بتر لرجلها وهي في ريعان الشباب، وتحول فرحة العمر إلى إقامة بين جنبات المستشفى في مشهد لم يتخيله حتى في أسوأ كوابيسه.
ولكن ما حدث لصابرين لم يثنِ الديب ولو لحظة عن حلم عمره بالارتباط بها فوقف إلى جانبها منذ اللحظة الأولى لإصابتها وحتى الآن. "صابرين تعاني كغيرها من الجرحى بسبب انهيار القطاع الطبي في غزة، وهي محتاجة للسفر للعلاج بالخارج وتركيب طرف صناعي يمكنها من استئناف حياتها ولتتمكن من المشي مجددًا".
ويناشد الديب المؤسسات الصحية الدولية بالإسراع في إجلاء خطيبته لتبدأ رحلة علاجها، ومن ثم يتحقق حلم العمر بتحديد موعد الزفاف. "لقد وعدتها منذ اللحظة الأولى التي رأيتها فيها في المستشفى بأنني لن أتركها أبدًا ولن أتخلى عنها، وهي ترى في وجودي بجانبها أمرًا يخفف عنها الألم الذي ألمّ بها وبتر رجلها الذي لا تستطيع استيعابه حتى اللحظة، فهي محتاجة للدعم النفسي وبيئة علاج تخفف عنها جزءًا مما أصابها".
فلسطين أون لاين