البحر ابتلع أحمد .. والاحتلال أجهز على المركب والعائلة

mainThumb
البحر ابتلع أحمد... والاحتلال أجهز على المركب والعائلة

12-05-2025 11:04 AM

printIcon

أخبار اليوم - في صباحٍ هادئ من يوم الجمعة، التاسع من الشهر الجاري، وبينما كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحًا، انطلق الشقيقان أحمد ومحمد مقداد بمركبهما الصغير من شاطئ مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، لتوفير قوت أطفالهما.

لم يكن الشقيقان يحملان سوى شباك قديمة وأمل في صيد يسد رمق العائلة، لكن البحر، الذي كان دومًا ملاذًا، تحوّل فجأة إلى فخ دموي.

ما إن بدأ الشقيقان بجمع شباكهما، حتى اخترق صوتُ الانفجارات الهدوء، ثلاث قذائف أطلقتها زوارق الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة في عرض البحر باتجاه المركب، ليرتقي على إثرها الصياد الشاب أحمد علي عثمان مقداد (27 عامًا)، فيما أُصيب شقيقه محمد (32 عامًا) بجراحٍ بالغة.

جسدٌ ممزق

يقف أيوب مقداد، شقيقهما، على الشاطئ بعينين تائهتين، يتفقد الأفق لعلّ الأمواج تعيد له جسد شقيقه الغارق. يقول لصحيفة "فلسطين": "ما زلنا نبحث عنه، فإحدى القذائف أصابته مباشرة ومزّقت جسده".

ويضيف بحزنٍ شديد وقلبه يغرق كما غرق "أحمد"، دون وداع، دون قبر، دون كفن سوى ما لفّه البحر من ملوحة وألم.

يحاول "أيوب" التنسيق مع عدد من الصيادين للبحث عن أشلاء أخيه، علّهم يتمكنون من دفنه كما يليق بأي إنسان، حتى لا تبقى الأمواج الشاهدة الوحيدة على الوداع.

الشهيد أحمد كان أبًا لطفلين: علي، عامان ونصف، وكرز، الرضيعة التي لم تُكمل شهرها الثالث، بحسب شقيقه، الذي قال: "رحل أحمد، وترك خلفه زوجة ثكلى، وأطفالًا بلا أب، بلا مزار، بلا ذاكرة ملموسة سوى صورة باهتة".

أما شقيقه محمد، فيصارع الموت داخل غرفة العناية المكثفة في مجمع الشفاء الطبي، المستشفى الذي تضرر بشدة خلال الحرب، وأُعيد ترميم جزء منه رغم النقص الحاد في المعدات والكوادر.

يشير مقداد إلى أن شقيقه أصيب بشظايا في صدره وبطنه ومنطقة الحوض، مضيفًا: "أي أمل في نجاته معلّق بأجهزة الحياة ودعاء الأهل".

كومة حجارة

يمضي مقداد بحزن، واقفًا على أنقاض منزله المدمر: "نعيش في خيمة الآن بعدما دُمر بيتنا في مخيم الشاطئ مع بدء الحرب".

ويردف وهو يشير إلى كومة حجارة كانت ذات يوم بيتًا لخمسة عائلات: "بعد تهجير مؤقت، عدنا لنجد البيت، المكوّن من أربعة طوابق، كومة من الركام، فنصبنا خيامًا بجواره، في انتظار إعادة الإعمار".

ويتابع بصوتٍ يملؤه الحزن: "دُمّر منزلنا، واستُشهد شقيقي بلا جثمان، والآخر مجهول المصير، والقارب الذي دُمّر في القصف كان يُعيل أربع أسر. كنا نصطاد القليل لنأكله، ونبيع الباقي لنشتري ما يلزم الأطفال، أما الآن، فلا شيء".

منذ اندلاع الحرب الضروس على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، يعيش القطاع تحت حصار بحري خانق فرضه جيش الاحتلال، ما حرم آلاف الصيادين من دخول البحر.

ووفقًا لبيانات محلية، استُشهد نحو 150 صيادًا منذ بداية الحرب، 50 منهم أثناء محاولتهم الصيد لتأمين الطعام لعائلاتهم، كما دُمّرت معظم القوارب، حتى الصغيرة منها التي صنعها الصيادون بجهدهم وعرقهم.

ويبلغ عدد الصيادين المرخّصين في غزة حوالي 4500، إضافة إلى 1500 شخص يعملون في مهن مرتبطة بالصيد، مثل بيع الأسماك، وصيانة القوارب، وتصنيع الثلج لحفظ الصيد.

الشهيد أحمد مقداد ليس مجرد رقم في قائمة الشهداء، بل وجه من وجوه المعاناة اليومية في غزة. كان البحر مصدر حياة لعائلته، فأصبح اليوم مقبرة مفتوحة. في كل موجة حكاية، وفي كل شبكة حطام حلم.

المصدر / فلسطين أون لاين