أخبار اليوم - محرر الشؤون المحلية - تتواصل عمليات العودة الطوعية للاجئين السوريين من الأردن، حيث غادر 1100 لاجئ سوري مخيم "مريجيب الفهود" في محافظة الزرقاء خلال الأيام الماضية، ضمن دفعة جديدة من برنامج العودة الطوعية، بإشراف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبالتنسيق مع الحكومة الأردنية.
هذه العودة لم تكن مجرد إجراء إداري، بل لحظة إنسانية خالصة كشفت عمق العلاقة بين الشعبين، وجسّدت مشهد وداعٍ حافل بالعاطفة والمشاعر المختلطة، عنوانه الأكبر: الإخاء لا يزول مهما فرّقتنا الظروف.
ففي مشهدٍ يفيض بالمحبة والوفاء، ودّع الأردنيون إخوتهم السوريين العائدين إلى وطنهم بعد سنوات طويلة من اللجوء القسري الذي فرضته الحرب والدمار، تاركين خلفهم بيوتًا استضافتهم بكرم، وقلوبًا أحبتهم بصدق، وأثرًا طيبًا لن يُنسى في الذاكرة الأردنية.
فمن على أبواب المعابر، ومن نوافذ الحافلات، ومن بين الدموع والضحكات، دوّى صوت المحبة بين الأردنيين والسوريين، في حديث وداعٍ لا يشبه سوى حديث الإخوة الحقيقيين، حديثًا طافحًا بالعاطفة والتقدير، وبالذكريات المشتركة التي خُلقت خلال 14 عامًا من الجيرة والمشاركة في الخبز، والمدرسة، والسوق، والمصير.
"يا من جئتم إلينا بنقاء قلوبكم، وطيب أخلاقكم، ودفء محبتكم، آن أوان الفراق، ولكن الوداع لا يعني النسيان"، هكذا علّق أحد الأردنيين على مشهد وداع جيرانه السوريين، في عبارة لامست مشاعر الآلاف، وأصبحت شعارًا عفويًا لهذا الفراق الثقيل.
وعلى منصات التواصل، تداول الأردنيون والسوريون رسائل مؤثرة تعكس عمق العلاقة التي نشأت بينهم خلال سنوات اللجوء.
كتب أحد السوريين: "شكرًا للأردن، والله ما قصّرتوا، ونِعم المعازيب، اللهم احفظ الأردن وأهله ومليكه وولي عهده الغالي".
وردّ أردني آخر قائلاً: "الله يسهل طريقكم، إخوان أعزاء، ومرحب فيكم بأي وقت... ابشروا ببلد الهاشميين".
أمّا أحد المعلّقين السوريين، فقال: "اجعلوها بعودة، لا وداع... الله يهدي بالكم ويرجع سوريا أحسن من أول".
وتمنّى آخر: "عقبال عند اللاجئين الفلسطينيين، وقد زال عنهم هذا الاحتلال الغاشم".
وفي حديث لأحد مشايخ العشائر في محافظة إربد، قال: "إخوتنا السوريون عاشوا بيننا أهلًا وكرامًا، وأثبتوا أنهم ضيوف بحجم الوطن... لم نعاملهم يومًا كلاجئين، بل كأهلٍ وأحبة، واليوم نودعهم والقلوب يعتصرها الحنين".
تُعيد هذه اللحظة الإنسانية صياغة مشهد اللجوء من سردية الألم إلى رواية الوفاء، إذ لم يكن اللاجئ السوري في الأردن مجرد نازح، بل شريكًا في الهمّ والفرح، في الحياة اليومية والاحتفالات والمناسبات الوطنية، وحتى في التحديات الاقتصادية والمعيشية.
وبرغم مرارة الفراق، فإن ابتسامة العودة إلى الديار السورية كانت حاضرة في وجوه المغادرين، الذين ما انفكّوا يدعون بالخير للأردن وشعبه:
"الله يرزق هذا البلد الطيب الذي أحسن استضافتنا، ويزيده أمنًا وعزًّا."
الوداع كان عاطفيًا، لكنه لم يكن وداع غرباء، بل فراق إخوة شاءت الأقدار أن يفترقوا اليوم بعد أن جمعتهم المحنة، وكان الوطن الأردني مظلّتهم، وسيتبقّى هذا الوداع شاهدًا على أرقى نماذج التضامن الإنساني العربي، يوم كانت الحدود جغرافيا فقط، بينما المحبة كانت وطنًا مشتركًا.
ويبقى السؤال الإنساني العالق في الوجدان: هل كل من نزل ضيفًا على الأردن، سيعود يومًا وفي قلبه قطعة من هذه الأرض الطيبة؟
الجواب جاء من أحد العائدين:
"الوداع للأرض... أما الناس، فهم في القلب دائمًا."