غزة تتضور جوعًا .. حكايات من زمن المجاعة

mainThumb
غزة تتضور جوعًا.. حكايات من زمن المجاعة

31-05-2025 06:26 PM

printIcon

أخبار اليوم - في شوارع غزة وأسواقها المتهالكة، تبدو الحياة كأنها توقفت. البسطات خاوية من المواد الغذائية، والسلع التموينية نادرة، في حين تُعرض بعض أصناف الخضراوات بأسعار خيالية تعجز أغلبية السكان عن مجاراتها. العابرون يبدون هائمين على وجوههم، يصطدمون بحقيقة الأسعار المجنونة، وهم عاجزون عن تأمين قوت يومهم وسط مجاعةٍ تزداد عمقًا كل يوم.

تضرب المجاعة أرجاء القطاع بقسوة، مستهدفة الأطفال والشيوخ والنساء دون تمييز. باتت الوجوه شاحبة، والأجساد منهكة وهزيلة من قلة الطعام، مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار الدقيق – المادة الأساسية التي يعتمد عليها الغزيون في وجباتهم اليومية. ومع توقف توريد المساعدات الغذائية، وغياب أبسط مقومات الحياة، لم تعد القدرة على شراء كيس طحين أو عبوة زيت في متناول أحد.

كيلو الطحين

على أحد الأرصفة، وقف نائل النادي إلى جانب بسطته التي لا تحمل سوى القليل: كيس أرز، وآخر من العدس، وعلبة زيت، وكيس ملح. تقدمت منه سيدة في الستين من عمرها، تحمل كيسًا صغيرًا من الدقيق، ترجوه أن يستبدله بكيلو من الأرز وزجاجة زيت. تردد في البداية، فثمن الأرز والزيت يفوق سعر كيس الدقيق بما يقارب خمسة دولارات، فطلب منها دفع الفرق. نظرت إليه بخجل، وقالت:

"والله ما معي غير كيلو الطحين اللي جبته من الخيمة، علشان ولادي نفسهم يذوقوا رز."

يقول نائل: "لم أستطع إلا أن أتعاطف معها. أعطيتها ما طلبت وقلت لها: خذيهم يا حجة، صدقة عني وعن أولادي."

ويضيف: "ليست الوحيدة، يوميًا تمر عليّ عشرات الحالات المشابهة، الوضع لا يُحتمل، المجاعة تنهش الناس، والكل يبحث عن أي شيء يسد به جوعه."

الخيار والبندورة

في بسطته المتواضعة لبيع المواد التموينية، يروي هاني عطا الله حكاية لا تفارقه: "قبل يومين جاءتني سيدة ومعها أربعة أطفال، كانوا يبكون بحرقة. سألتها عن السبب، فقالت إنهم يتمنون فقط تذوق الخيار والبندورة."

لم تكن الأم تملك المال لشراء الخضروات، فعرضت على هاني كيسًا من المعكرونة وآخر من الأرز ليبيعه ويمنحها بثمنهما كيلوًا من الخضار. لكن حتى هذه الرغبة البسيطة كانت بعيدة المنال، فالكيلو الواحد من الخيار أو البندورة يبلغ نحو ثمانية دولارات.

وجبة واحدة لا تُشبع

آمنة حسان، أرملة تعيل ثمانية أطفال ونازحة من حي تل الهوى، تقول إن يومها يقتصر على وجبة واحدة فقط: "أطبخ طبق أرز أو معكرونة، لكل طفل صحن صغير، فقط ليسكت جوعه، لا ليشبع."

لم يعد لديها دقيق، ولا تستطيع شراءه بسبب ارتفاع أسعاره الخيالي، شأنه شأن بقية المواد الغذائية والخضروات.

تتابع حسان: "أرسل أطفالي إلى التكية أحيانًا للحصول على وجبة يومية. أحاول تحضير وجبة بسيطة للعشاء حتى يناموا شبعانين، لكن في الصباح لا نجد شيئًا نأكله، وننتظر حتى يأتي موعد التكية مرة أخرى. هكذا نقضي أيامنا في ظل مجاعة لا ترحم."

المجاعة تهدد الجميع

وفقًا لتقرير حديث صادر عن برنامج الأغذية العالمي، يواجه سكان قطاع غزة خطر المجاعة في جميع أنحاء القطاع، مع تصاعد القتال واستمرار إغلاق المعابر الحدودية، وندرة الغذاء بشكل خطير.

470,000 شخص في غزة يواجهون جوعًا كارثيًا (المرحلة الخامسة وفق التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي)، وهو أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي.

71,000 طفل و17,000 أم معرضون لخطر سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج عاجل.

جميع سكان غزة يعانون من انعدام شديد في الأمن الغذائي، مع توقعات بتجاوز معدلات الوفيات عتبة المجاعة خلال الأشهر المقبلة.

أكثر من مليون طفل محرومون من المساعدات الإنسانية الأساسية منذ 2 مارس 2025، وهي أطول فترة منع للمساعدات منذ بدء الحرب.

وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن خطر المجاعة في غزة يتزايد مع استمرار منع المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء، في ظل الحصار المستمر.