أخبار اليوم - في 22 مايو 2024، تلقّى المنزل الذي يقطن فيه عبد الله الحلو وعائلته في غزة ضربة من صاروخ F-16، ما أدى إلى اشتعال النيران فيه، وإصابة أربعة من أفراد عائلته، واستشهاد زوج شقيقته. في لحظة وقوع الحدث، كان الحلو في الحمام، وعندما حاول الخروج، وجد النيران تشتعل في كل مكان. سقط عليه جدار ساخن، ما تسبب في حروق شديدة برجليه، واعتقد الجميع أنه استُشهد، لكن بعد صراخه، تمكّن الجيران من إنقاذه.
يقول لصحيفة "فلسطين": "لحظات لا تُوصف. جاء الأهل والجيران بأدوات بسيطة وبدائية لإطفاء النيران، لكن الأمر كان فوق طاقتهم، فحاولوا أن يخرجوا بسرعة قبل أن تلتهمهم النيران".
ويضيف الشاب العشريني: "من استطاع الخروج من المصابين بمساعدة من جاء لأجله خرج، فأغلبهم مصابون بحروق في أنحاء متفرقة من أجسادهم وبدرجات متفاوتة. أما أنا، فلم أستطع تحريك نفسي من تحت الجدار الساخن الذي سقط فوقي".
"عبد الله... عبد الله..." نادوه مرارًا دون استجابة. اعتقدوا أنه قد استُشهد، فسألوا شقيقته عن مكانه قبل القصف، فأخبرتهم أنه كان في الحمام. كانت دقائق طويلة وصعبة، وفي النداء الأخير أجاب. لم يتمكنوا في البداية من رفع الحائط عنه لشدة سخونته، إلا بعد رشه بالماء ليتمكنوا من إخراجه.
نُقل إلى المستشفى الأردني، ثم إلى المستشفى الأهلي العربي لخطورة حالته، حيث خضع لعمليات تنظيف للجروح دون تخدير بسبب نقص الأدوية. أدت إصابته إلى بتر قدمه اليمنى، وحروق متفرقة في جسده، بالإضافة إلى إصابة في عينيه. وبعد خروجه من المستشفى، استمر في تلقي العلاج في المنزل بمساعدة ممرض.
ويضيف بصوت خافت: "الحرب هاي مش زي كل مرة… كانت نار من كل الاتجاهات. إحنا ما كنا بس ننجو من قصف، كنا نحارب عشان نفس، عشان ضمادة، عشان نقطة ماء باردة نحطها على جرح ملتهب".
ويشير الحلو إلى أنه بعد خروجه من المستشفى حاصر الاحتلال منطقة الصناعة، فعانى من نقص المستلزمات الطبية، ما أدى إلى تفاقم حالته.
خلال فترة علاجه في المنزل أو حتى في المستشفى، لم يكن الأمر سهلًا، فكل تغيير على الجرح يتطلب تجهيزًا نفسيًا لأنه يتم دون تخدير. الألم، كما يقول، "كأنك بتتقطع من جديد كل يوم". ورغم استعانته بممرض، إلا أن كل شيء كان بدائيًا، والمستلزمات شحيحة، والجرح يزداد التهابًا ورائحة، والقلق ينهش قلوب أهله.
بعد أيام من الحصار داخل منزلهم في حي الصناعة، حيث لا طعام ولا دواء ولا إمكانية حتى لغسل الجروح، نزح الحلو إلى حي الرمال رغم خطورة وضعه الصحي، يحمل آلامه ويجر خطواته بصعوبة، محاولًا التكيّف مع خساراته الجسدية والإنسانية. فقد بدأ يتأقلم مع وضعه الجديد رغم فقدانه الكثير من وزنه.
ويقول: "الإصابة مش بس بتر، هي كمان حرمان. حرمتني من أبسط الأمور… أنا شغلي حر (فريلانسر)، كنت أتحرك باللابتوب أدور على نقطة إنترنت أخلص شغلي، اليوم حتى حمل اللابتوب ما بقدر عليه، حتى فنجان الشاي، بدي مين يناولني إياه".
وفي وسط حديثه، يتوقف، يتأمل قليلاً، ثم يتابع: "بس بحمد الله، لأن في غيري ما طلعوش من الركام… أنا عالق، بس عايش، ولسّه بحاول ألاقي معنى للحياة رغم كل هالخراب".
فالحلو، كغيره من آلاف الجرحى في غزة، يواجهون تحديات صحية ونفسية واقتصادية في ظل الحرب المستمرة.
ورغم كل ما مرّ به، لا يزال الحلو يحاول النهوض من تحت رماد الألم، ليس فقط بجسده المصاب، بل بروحه المثقلة بالحريق والخذلان، وبذاكرة ممتلئة بصور الفقد.
ويختم حديثه: "أنا مش رقم مضاف على قوائم الجرحى، أنا شاهد حي على فصل مرعب من حرب لا تشبه ما قبلها. أعيش اليوم محاصرًا بين ألم لا يهدأ، وذاكرة لا تُنسى، ومستقبل غامض، ينتظر فقط أن تتوقف الحرب، لأبدأ حياة جديدة نحو الترميم".
المصدر / فلسطين أون لاين