أخبار اليوم - في عمر الثانية عشرة، كان أكرم شريف الفيومي يركض خلف الكرة، ويطارد الخيول في أرض قريبة من منزله شرق غزة، يملأ الحي بضحكته وركضه ونشاطه الطفولي. لكن في هذه الحرب التي لم تُفرّق بين جندي وطفل، فقد أكثر من طرفيه.. فقد طفولته.
في تاريخ 8/8/2024، قصفت طائرة إسرائيلية بصاروخ محيط مدرسة عبد الفتاح حمودة في حي التفاح، منطقة الشعف، فتسببت بحدوث مجزرة راح ضحيتها 12 شهيدًا وعدد من الإصابات.
يقول شريف الفيومي، والد الطفل أكرم لصحيفة "فلسطين": "كانت زوجتي وأولادي قد نزحوا من البيت إلى المدرسة القريبة من المنطقة بفعل قوة القصف، وفي ذلك اليوم، أصاب القصف أكرم بشظايا متفرقة في جسده، كانت أخطرها في ساقه اليمنى ويده اليسرى".
حاول الأطباء إنقاذ قدمه اليمنى من خلال عملية جراحية وتركيب بلاتين، لكن حالته تفاقمت، فقرر الأطباء بترها من تحت الركبة قبل أن يزداد الوضع سوءًا ويُضطروا إلى بترها من أعلى.
دخل أكرم غرفة العمليات دون أن يُدرك ما الذي سيحدث. "لما طلع من العملية، صار يلمس على رجله... ما لقاها... صرخ وبكى كتير، ما قدر يتحمّل"، يقول والده بصوت مكسور.
في الأيام الأولى بعد الإصابة، دخل أكرم في صدمة نفسية، امتنع فيها عن الأكل والكلام، وكان يصرخ أثناء نومه. حاول والداه تهدئته، لكنه كان يكرر عبارة واحدة: "رجّعولي رجلي".
ولم يكن البتر هو المصيبة الوحيدة، فثمة شظايا استقرت في رأسه وصدره، لم يتمكن الأطباء من استخراجها حتى الآن، نظرًا لحساسية أماكنها، وخطورة التدخل، وعدم توفّر الإمكانيات والمعدات الطبية.
منذ لحظة البتر، انقلب عالم أكرم؛ لم يعد يطلب ركوب الخيل، ولا اللعب بالكرة، حتى ضحكته اختفت. يقول والده: "ابني غابت الضحكة عن ملامح وجهه، صار يسألني كل يوم: أنا ليش هيك؟ إمتى حأمشي؟"
ويتساءل الفيومي: "كيف يمكن لطفل كان لا يعرف في حياته سوى اللعب والمرح أن يتحمّل كل هذا الوجع النفسي والجسدي؟ كيف سيمارس طفولته بهذا الشكل؟"
وبات يرى أكرم كرسيه المتحرك سجنًا لا يستطيع الخروج منه، فحُوّل للعلاج في الخارج بجمهورية مصر العربية برفقة جدته، وتم تركيب طرف صناعي مؤقت، ولكن واجهته مشاكل صحية ولم يتمكن من السير عليه. وأخبروه الأطباء أنه يحتاج إلى تحويلة طبية لدولة أخرى لتركيب طرف صناعي مناسب، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات متوقفة بفعل استئناف الحرب.
يستكمل الفيومي: "كان يحلم بتركيب طرف صناعي يعيد له شيئًا من الحياة، كان يقول لي: بحلم إني أرجع ألعب، أركض، أروح المدرسة لحالي... بدي أوقف على رجلي".
ويستذكر حياة أكرم قبل الحرب، إذ كان يُعرف في حارته بلقب "الخَيّال الصغير"، لأنه كان مولعًا بركوب الخيل ومطاردتها، إلا أن هذا اللقب أصبح اليوم مؤلمًا بالنسبة له.
حتى اليوم، لا يستطيع الأطباء تحديد موعد لإزالة الشظايا من رأسه وصدره، وهم متخوفون من أي تدخل قد يعرضه لخطر أكبر. يقول والده: "أنا كل يوم بعيشه وكأنه عمر جديد، بخاف عليه أكتر... لأنه من يوم الإصابة وإحنا عايشين على أمل تجاوز هذا الكابوس".
لقد جعلت الحرب من أكرم طفلًا يحمل جراحًا أكبر من عمره، وبين الألم اليومي والأمل في العلاج، يعلّق قلبه على طرف صناعي قد يعيد إليه حريته، وربما جزءًا من ضحكته.
المصدر / فلسطين أون لاين