أخبار اليوم - غزة - في مشهد لا يُحتمل، وبينما يُدفن الشهداء ويبحث الناس عن الماء والدواء، تُعرض في أسواق غزة موادٌ غذائية بأسعار لا يستطيع بشرٌ تحملها، في وقت يفترض فيه أن تكون هذه المواد ضمن المساعدات الإغاثية المجانية. الأرقام القادمة من داخل القطاع تتحدث عن كغ سكر بـ70 دولارًا، والبامية بـ60 دولارًا، والملح بـ8 دولارات، والملوخية بـ13، والدقيق بـ25، واسطوانة الغاز وصلت إلى 100 دولار، فيما يباع لتر زيت القلي بـ20 دولارًا، والبطيخ بـ10، والبصل بـ60، والمعكرونة بـ16، أما القهوة فوصل سعر الكيلو منها إلى 230 دولارًا. وهي أسعار تزيد عن السعر الحقيقي بنسبة تتراوح بين 30 و40%، وسط صمت مطبق من الجهات الرقابية. يقول أحد سكان غزة: "انسَ كل شيء... عقد الطحين أهم من كل القائمة، الواحد صار يحلم يمسك رغيف خبز!"، فيما يعلّق آخر: "حسبي الله ونعم الوكيل، الحرب كشفت كثير من الناس على حقيقتها وضمائرها الميتة". وفي ظل هذا الواقع الخانق، يؤكد مواطنون أن المواد المعروضة في السوق هي في الأصل جزء من المساعدات الإنسانية التي تمت سرقتها وإعادة بيعها على الشعب الفلسطيني في غزة، من قبل من وُصفوا بأنهم "تجار الحرب". لا دخل، ولا رواتب، ولا مساعدات، ومع ذلك تُباع الأساسيات بأسعار خيالية، وكأن الفقر لا يكفي، ولا القصف يكفي، بل لا بد من نهش ما تبقى من كرامة الإنسان الغزي. الوضع مأساوي بكل المقاييس، والأسوأ أن السياسات الاقتصادية التي أُسست خلال سنوات الحصار الطويلة، والتي خضع لها الناس مرغمين، قامت على قاعدة واحدة: "المواطن هو المتضرر".
وهو ما تؤكده شهادات من قلب القطاع تصف كيف تُدار الأزمة بمنطق التربّح من الكارثة. وسط كل هذا، لم يعد الناس يطالبون بتحسين أحوالهم، بل فقط بحد أدنى من العدالة، أن تصلهم المساعدات كما هي، لا أن تُنهب وتُباع لهم من جديد، وأن يتم لجم منظومة تجّار الموت الذين يرون في الحرب فرصة، وفي الجوع سوقًا مفتوحًا. هذه ليست مجرد أزمة إنسانية، بل منظومة تجويع ممنهجة، تُدار تحت نظر الجميع، وتُبنى على حساب أجساد المنكوبين، ولقمة الفقراء.