أخبار اليوم - في تطور لافت، أثار قرار وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش بوقف "آلية التعويض" وتحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية، مخاوف متزايدة من انهيار مالي وشيك للسلطة، ومن الدخول في فصل جديد من الصراع غير المعلن الذي تتخذ فيه حكومة الاحتلال الاقتصاد الفلسطيني كساحة قتال جديدة.
تُعد أموال المقاصة – التي تجمعها إسرائيل من الضرائب المفروضة على البضائع المستوردة للسلطة – المصدر الأساسي لدخل الحكومة الفلسطينية، وتشكل نحو 70% من ميزانيتها التشغيلية. لكن هذه الأموال لا تُحوّل تلقائيًا، بل تمر عبر آلية قانونية تُعرف بـ"آلية التعويض"، توفر حصانة للبنوك الإسرائيلية المشاركة في نقل الأموال من دعاوى متعلقة بتمويل الإرهاب أو غسل الأموال.
وبحسب الخبير الاقتصادي محمد عبد الله خبيصة، فإن إلغاء هذه الآلية، أو حتى تجميدها، سيؤدي إلى شلل تام في العلاقات المالية بين الجانبين، وسيمنع السلطة من تسلُّم إيراداتها، ويوقف القدرة على تسديد رواتب الموظفين أو دفع مستحقات الخدمات العامة من كهرباء ومياه ومستشفيات.
وفي عام 2023 وحده، تم تمرير أكثر من 53 مليار شيكل عبر هذه القنوات، مما يدل على ضخامة الاعتماد المتبادل رغم التوتر السياسي.
الخطوة التي اتخذها سموتريتش ليست مجرد إجراء مالي، بل تُقرأ ضمن سياق أوسع من خطة استراتيجية تقودها شخصيات يمينية متطرفة في حكومة الاحتلال، تهدف إلى تفكيك السلطة الفلسطينية تدريجيًا دون إعلان رسمي، وفق ما أكده الخبيران عصمت منصور ومحمد أبو علان.
ويضيف أبو علان أن سموتريتش وبن غفير، منذ دخولهم الحكومة، يتبنّون مشروعًا واضحًا: "لا دولة فلسطينية، لا سلطة، بل كانتونات متناثرة ومحاصرة، تُدار أمنيًا دون سيادة". وهو ما يفسر التحركات الميدانية الموازية، من اقتحامات متكررة لمخيمات جنين وطولكرم، ومحاولات إعادة تعريفها كمناطق مدنية لا سياسية.
اللافت، كما أشار أبو علان، أن الصحافة الإسرائيلية كشفت عن مفاوضات إسرائيلية أمريكية غير رسمية لضم 65% من الضفة الغربية، عبر فرض القانون الإسرائيلي على المناطق المصنفة "ج"، مقابل حشر الفلسطينيين في 20 كانتونًا إدارياً دون تواصل جغرافي أو هوية وطنية.
ما يجري، وفق مصادر إسرائيلية، ليس وليد اللحظة، بل هو مشروع ضم تدريجي يتم عبر سياسة فرض الأمر الواقع، وتمزيق أوصال الضفة، وخنق اقتصادها، وصولًا إلى نقطة لا عودة.
رغم التحذيرات الدولية من مغبة انهيار السلطة، فإن البيئة السياسية والمالية التي تُفرض عليها حاليًا، تُشبه إلى حد كبير نموذج التجفيف المالي والعزل الجغرافي الذي سبق إسقاط حكومات في بلدان أخرى. وفي ظل عدم وجود بدائل مصرفية خارج القنوات الإسرائيلية، تبقى السلطة الفلسطينية محاصرة ماليًا، وعاجزة عن الحركة، بينما يتصاعد الغليان الشعبي في الضفة الغربية.
ويرى خبيصة أن انهيار النظام المصرفي الفلسطيني غير مرجّح بالكامل، لكنه سيواجه شللاً جزئيًا خطيرًا يطال الحكومة، وقطاعات الخدمات، والتجارة، ما يؤدي إلى تفكيك بطيء ولكن ممنهج للبنية المؤسسية للسلطة.
في ظل هذه التطورات، تبدو إسرائيل ماضية في تطبيق الضم من دون إعلان، عبر السيطرة على الموارد، التضييق على المؤسسات، وفرض واقع أمني جديد، خصوصًا مع الدعم الصامت من أطراف دولية، مقابل تراجع دولي في الضغط السياسي الجاد، والاكتفاء بعقوبات رمزية على أفراد مثل سموتريتش وبن غفير.
ووفق القناة "12" العبرية (خاصة) فإن قرار سموتريتش "يعني الانهيار الاقتصادي للنظام المصرفي الفلسطيني".
وفي وقت سابق، قالت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية إن سموتريتش هدد بـ"إسقاط اقتصاد السلطة الفلسطينية، في حال فرضت بريطانيا عقوبات على أي وزير إسرائيلي".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) لصالح تمديد العمل بمنح ضمان للبنوك الإسرائيلية التي تتعامل مع أخرى فلسطينية لمدة عام إضافي، حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2025. وتحتاج البنوك الإسرائيلية إلى ورقة ضمان سنوي من الحكومة بعدم ملاحقتها قانونياً إذا تعاملت مع البنوك الفلسطينية، ويعني توجيه سموتريتش وقف التعاملات البنكية الفلسطينية-الإسرائيلية.
وينفذ مصرفان إسرائيليان، هما "ديسكونت" و"هبوعليم" المعاملات المالية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية، وكذلك بين البنوك الفلسطينية والدولية. ويحظى المصرفان بحصانة حكومية من دعاوى جنائية في إسرائيل، وتعويض عن دعاوى مدنية تقدم ضدهما، ويُمنح التعويض من جانب دائرة المحاسب العام بوزارة المالية الإسرائيلية.
وتتخذ إسرائيل إجراءات عديدة للدفع نحو مزيد من الانهيار الاقتصادي للسلطة الوطنية الفلسطينية، منها احتجاز أموال المقاصة الفلسطينية، وهي أموال ضرائب وجمارك مفروضة على السلع المستوردة إلى الجانب الفلسطيني، سواء من إسرائيل أو من خلال المعابر الحدودية التي تسيطر عليها تل أبيب، وتجمعها الأخيرة لصالح السلطة الفلسطينية.
وأعلن وزراء خارجية بريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا والنرويج، عبر بيان مشترك في وقت لاحق الثلاثاء، فرض عقوبات وتدابير أخرى بحق سموتريتش ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير. وأرجعوا هذه الخطوة إلى تحريضهما المستوطنين الإسرائيليين على العنف ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
ووفق صحيفة "التايمز" البريطانية، تشمل العقوبات منع الوزيرين الإسرائيليين من دخول المملكة المتحدة، وتجميد أي أصول تعود إليهما، ومنع المؤسسات المالية من إقامة علاقات معهما.
وتؤكد الأمم المتحدة أن الاستيطان في الأراضي المحتلة "غير قانوني"، ويقوض إمكانية معالجة الصراع وفقا لمبدأ حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)، وتدعو منذ عقود إسرائيل إلى وقفه دون جدوى.
وإلى جانب تشجيعهما الاستيطان وتحريضهما المستوطنين، دعا بن غفير وسموتريتش مراراً إلى إعادة احتلال قطاع غزة، وطرد الفلسطينيين منه، وإقامة مستوطنات على أراضيهم، ومنع دخول المساعدات الإنسانية الإغاثية.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل- بدعم أمريكي- إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلاً وتجويعاً وتدميراً وتهجيراً، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلّفت الإبادة نحو 182 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال