صفعة في وجه الغطرسة: ما لا يقوله العربي لكنه يشعر به !

mainThumb
صفعة في وجه الغطرسة: ما لا يقوله العربي لكنه يشعر به !

15-06-2025 01:26 PM

printIcon

د. بلال خصاونة


في زمنٍ باتت فيه السياسة لعبة أمم، تتشابك فيها المصالح وتتداخل فيها المشاريع الإقليمية والدولية، يقف المواطن العربي كمن يراقب من خلف زجاج معتم مشهداً تتقاطع فيه المآسي مع الآمال، وتتداخل فيه الحقائق مع النفاق، والعواطف مع حسابات القوة.

فالصراع القائم اليوم بين إسرائيل وإيران لم يعد مجرد خلاف سياسي أو عسكري، بل مشهد معقد من المواجهة، حيث يتجرأ طرفٌ على الوقوف في وجه دولة لم يجرؤ أحد من قبل على تحدّيها بشكل مباشر، رغم كل ما فعلته في غزة ولبنان وسوريا واليمن، هذا الصراع تحوّل إلى مرآة تعكس هشاشة الدول العربية، وتُظهِر للعرب مرة أخرى حجم العجز والخذلان الذي يعيشونه منذ عقود.

في هذا الصراع، لا يُطلب من المواطن العربي أن يكون منحازاً لطرف، ولا أن يُصدّق كل ما تقوله طهران أو يبارك مشروعها الإقليمي، الذي لا يخلو من الطموحات والامتدادات المقلقة، كما لا يُنتظر منه أن يغضّ الطرف عن سياسات طهران في سوريا أو العراق أو لبنان، لكن، في الوقت ذاته، لا يمكنه أن يكون محايداً تماماً، لأن الوجع لا يُدار كملف دبلوماسي، والمشاعر لا تُبرمج، وحين يرى العربي إيران تردّ على إسرائيل – حتى وإن كان الرد مؤقتاً أو محدوداً – يشعر، ولو للحظة، أن هناك من يرد الصفعة، من يصرخ في وجه الغطرسة التي طالما استقوت على الضعفاء تحت مظلة التأييد الغربي المطلق.

نحن لا نحب المشروع الإيراني، ونختلف معه، بل ونخشى تبعاته الطائفية والسياسية، لكن حين يتعلق الأمر بإسرائيل، تتغير الموازين: إسرائيل ليست دولة عادية في الوعي العربي، بل هي العدو الذي تَمثّل لعقود، في احتلال الأرض، وسفك الدم، واستباحة الكرامة، وسط صمت عالمي أو دعم مباشر من القوى الكبرى.

إيران، رغم ما تملكه من نفوذ وقوة، لا تزال أضعف من إسرائيل عسكرياً، وأقل دعماً على الساحة الدولية، ومن هذه الزاوية، يبدو المشهد كما لو أنه مباراة نهائية في كرة القدم، فريقك تأهل للنهائي وينتظر الفائز من خصمين: أحدهما مدعوم، متغطرس، اعتاد على سحق خصومه، والآخر أقل شأنًا، لكنّه يقاتل بندّية، في مثل هذا السيناريو، من الطبيعي أن تتمنى خسارة القوي، أو على الأقل إنهاكه، لا حباً في الآخر، بل اتقاءً لعنفوان الأول، وهذا بالضبط ما يشعر به كثير من العرب اليوم.

نحن لا نختار من نحب في هذا الصراع، فالحب ليس هو المعيار هنا، بل الوجع، نحن نعرف جيداً من يؤلمنا أكثر، ومن استخفّ بدمنا، ومن لم يلقَ في هذا العالم من يردعه أو يضعه عند حدّه، ولهذا، إذا بدت مواقفنا مائلة، فذلك ليس خيانة للحياد، بل لأن الجراح لم تجد من يداويها، ولأن العدالة بقيت حبيسة القاعات الزجاجية والبيانات المزدوجة المعايير، ومن أجل ذلك سنظل نتابع هذا الصراع لا من باب التأييد، بل من باب الحاجة النفسية لأن نرى المتغطرس يُوجع، ولو مرة واحدة، في زمنٍ عزّت فيه العدالة.