1- نتنياهو
خلال سنوات وصفوه بالجبان. وقالوا إنه يعرف كيفية التحدث جيداً في التلفزيون أو رسم قنبلة نووية في الأمم المتحدة، لكنه لن يتجرأ على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. وقالوا إن أمريكا لن تسمح لإسرائيل بعملية تعرض قواتها وحلفاءها في الشرق الأوسط للخطر، وترفع أسعار النفط إلى أرقام قياسية. أثبت نتنياهو أمس لكل من استخف به بأن لديه الشجاعة لخوض حرب ضد إيران، ونجح في الحصول على دعم مطلق من ترامب. بعد الفشل الفظيع في منع هجوم حماس في 7 أكتوبر، يريد نتنياهو إعادة ضبط إرثه في 13 حزيران.
هذه حربه، الحرب التي يدعو إليها منذ سنوات. وقرار تعريض الجبهة الداخلية في إسرائيل لخطر غير مسبوق بهجوم صاروخي من إيران، كان قراره هو. الشخص الذي حذر وزير الدفاع السابق يوآف غالنت على الفور بعد 7 أكتوبر من انهيار الأبراج في محيط وزارة الدفاع تحت نيران حزب الله، يراهن الآن على صمودها أمام حرس الثورة. خلافاً لسلوكه في الحرب في غزة، التي يتهرب فيها نتنياهو من المسؤولية ويختبئ وراء شركائه سموتريتش وبن غفير أو الإدارة الأمريكية، فقد حصلنا هذه المرة على نتنياهو بنسخة “أعطيت الأوامر والتعليمات وأنا وأنا وأنا”. بعد لحظة نتنياهو، سيقول بأنه سيستبدل وزير الدفاع ورئيس الأركان للسير إلى طهران. أما إذا تعقد هذا الحدث، سيبحث رئيس الحكومة عن أكباش فداء، الذين “لم يوقظوه”؟
قرار تعريض الجبهة الداخلية في إسرائيل لخطر غير مسبوق بهجوم صاروخي من إيران، كان قرار نتنياهو
دعم رؤساء المعارضة الذين كانوا يريدون الظهور مع صور الدمار في نطنز وأصفهان، يضع نتنياهو أمام خيار: هل ينعطف نحو الوسط ويتصالح مع خصومه “الكابلانيين”، أم العكس، استغلال تصعيد الحرب لتسريع الانقلاب النظامي والقمع الداخلي وعبادة الشخصية. سلوكه يبشر بأنه سيختار المسار البيبي، كما فعل بعد 7 أكتوبر.
2- الجيش الإسرائيلي
يصعب التصديق بأن الجيش الموثق في تحقيقات 7 أكتوبر – مرتبك، مهمل، يستخف بالعدو والأوامر ولا يحمي جنوده – هذا ذاته الجيش الذي هاجم على بعد مسافة كبيرة عن قواعده، بالتنسيق مع الموساد، وينجح في قتل القيادة الأولى في إيران وتدمير أكثر منشآتها حساسية بدون خسائر بشرية أو أعطال. يصعب فهم كيف تمكنت الاستخبارات، التي عجزت كلياً عن فهم حماس وقدراتها الموجودة على بعد بضعة أمتار عن الحدود، من العمل بنجاح ضد الجمهورية الإسلامية البعيدة.
النتيجة التي يمكن الوصول إليها أن الجيش الإسرائيلي تكمن في منظوماته التكنولوجية، وسلاح الجو، والدفاعات الجوية، والاستخبارات والسايبر. الجيش البري يجد صعوبة في هزيمة حماس بعد عشرين شهراً من القتال، في حين حقق سلاح الجو نجاحات عملياتية ضد حزب الله وإيران وحماية سماء الدولة من الهجمات الصاروخية (حتى لو كان ذلك بمساعدة أمريكية وإقليمية). أنصار “العملية البرية” يقولون إن إضافة فرق وجنود ستمكن إسرائيل من القتال بقوة وبسرعة، وعدم الغرق في رمال متحركة مثلما في غزة. مشكوك فيه أن يكونوا محقين حتى لو كان عشرات آلاف الشباب الحريديم سيخدمون في “غولاني”، ما دام الجيش البري يتعرض لمشكلة انضباط عميقة، التي ازدادت في الحرب الحالية.
3- خامنئي
الحدث المؤسس للحرب بين إسرائيل وإيران هو انتخاب ترامب للرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني، الذي قاد زعماء الطرفين المتخاصمين إلى قرارات مصيرية. نتنياهو -حسب شهادته- أمر الجيش الإسرائيلي في تشرين الثاني والموساد أيضاً، بإعداد هجوم ضد المنشآت النووية واغتيال القيادة الأمنية في إيران. المرشد الأعلى علي خامنئي أمر في المقابل بتسريع تخصيب اليورانيوم إلى مستوى شبه عسكري، وهي العملية التي بدأت في 5 كانون الأول.
آمن نتنياهو وأمل أن ينجح في جعل ترامب يميل لصالحه، إذا بلورت إسرائيل وتدربت على خطة عملياتية معقولة تستطيع تنفيذها وحدها، على الأقل في مرحلة البدء
آمن نتنياهو وأمل أن ينجح في جعل ترامب يميل لصالحه، إذا بلورت إسرائيل وتدربت على خطة عملياتية معقولة تستطيع تنفيذها وحدها، على الأقل في مرحلة البدء. قدر خامنئي بأن الاقتراب من القنبلة سيحسن موقف إيران في المساومة في المفاوضات حول الاتفاق النووي الجديد. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق فسيعطيها ذلك “توازناً استراتيجياً” أمام إسرائيل.
زعماء إيران أخطأوا بنفس الغباء الذي فشل فيها خصومهم الإسرائيليون قبل سنتين. نوايا العدو وقدراته كانت معروفة ومعلنة للإيرانيين، بالتأكيد بعد أن أظهرت إسرائيل قدرة على العمل بشكل دقيق في لبنان وإيران وسوريا. ولكن مثلما عمل نتنياهو أمام حماس، آمن خامنئي بأن الطرف الثاني يهدد ويتبجح ولن يتجرأ في أي يوم على العمل. بالتأكيد لم يخطر بباله أن رؤساء جيشه كلهم سيقتلون في ضربة افتتاح دقيقة. لذلك، رفض طلبات ترامب في المفاوضات حول الاتفاق النووي، مثلما تجاهل نتنياهو تحذيرات الاستخبارات بقرب الحرب.
4 – المرحلة القادمة
الإجابة عن سؤال “إلى أين نسير؟” تكمن في القرار الذي سيتخذه ترامب، إذا كان سيدخل القوات الأمريكية أيضاً إلى الهجوم إلى جانب إسرائيل، وليس الدفاع عنها فقط. يهدد خامنئي بمهاجمة القوات الأمريكية، وربما حلفائها أيضاً، ما يعني ضمناً رفع أسعار النفط والإضرار باقتصاد الغرب. أراد نتنياهو بالتأكيد أن تطلق أمريكا القنابل التي تخترق الحصون واستكمال تدمير المنشآت النووية المحصنة في إيران، التي هي أكبر من قدرة الجيش الإسرائيلي. ومثلما في قرار الخروج للعملية، فإن قرار توسيعها أو وقفها بيد البيت الأبيض فقط.
نتنياهو يسير الآن قرب الحدود بين الشجاعة والغباء، وكي لا ينزلق إلى الطرف الغبي، عليه السعي إلى نهاية سريعة وألا يضع توقعات وطلبات لتفكيك أجهزة الطرد المركزي الأخيرة أو تغيير النظام في إيران. إذا وجدت إسرائيل نفسها في “حرب مدن” طويلة بين تل أبيب وطهران، فسيضطر المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي إظهار صور إصابات دقيقة. ولكن المزيد من الإسرائيليين سيتساءلون عما إذا كان يجدر بهم العيش في دولة تضربها الصواريخ، والتي تسعى حكومتها لتصبح نسخة إيرانية تتحدث العبرية.
القدس العربي