الدبلوماسية الاقتصادية

mainThumb
أ.د. خالد واصف الوزني

21-06-2025 03:36 PM

printIcon

أ.د. خالد واصف الوزني

تقرير الدبلوماسية الاقتصادية، مبادرة نوعية قدَّمتها حديثاً أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية في أبوظبي التي تُعنى بالبحث العلمي، وتأهيل القيادات، وتطوير المهارات، وتُعَدُّ مخزناً نوعياً للفكر والمبادرة. ويُعَدُّ هذا التقرير وثيقة تحليلية شاملة ترصد الكيفية التي يمكن من خلالها توظيف الأدوات الاقتصادية كوسيلة فاعلة في تعزيز السياسة الخارجية للدول. والتقرير هو محاولة عربية رائدة، وقد تكون الوحيدة حتى اليوم، والتي من خلالها يمكن لصنّاع القرار والباحثين والمهتمين فهم وتوثيق العلاقات العضوية بين الاقتصاد والدبلوماسية في عالمٍ بات يتشابك فيه النفوذ السياسي مع المصالح الاقتصادية بشقّيها التجاري والاستثماري. وأصبحت الدبلوماسية الاقتصادية سبيلاً نوعياً في فضاء ما يُسمّى «القوة الناعمة للدول».

التقرير الحديث أُطلِقَ مؤخراً في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، ضمن ندوة متخصِّصة شارك فيها الباحثون الرئيسون للتقرير، وناقشهم مجموعة من المختصين في الشأن الاقتصادي والدبلوماسي. وقد كان لي نصيب المشاركة في إحدى جلسات الندوة مُحاوراً ومُناقِشاً لأحد المفاصل المهمة في التقرير، والقائمة على دور المساعدات الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية، وذلك إلى جانب السفير الباكستاني الأسبق في الولايات المتحدة الأمريكية حسين حقّاني، وهو أحد المساهمين في فصول التقرير.

بيد أنَّ التقرير يركِّز على محاور متعددة تتجاوز المفهوم التقليدي للدبلوماسية، لتشمل التجارة والاستثمار، والأمن الغذائي، والابتكار، والمساعدات الخارجية، والطاقة، إضافة إلى أدوات القوة الناعمة التي تستخدمها الإمارات لتعزيز مكانتها إقليمياً وعالمياً. ويأتي ذلك ضمن رؤية أوسع تسعى لجعل الدولة مركزاً محورياً في سلاسل القيمة العالمية والحوكمة الاقتصادية الدولية. ومن أبرز ما يتناوله التقرير، تحليل دور المساعدات الخارجية الإماراتية كأداة ذكية للدبلوماسية، حيث لم تَعُدْ هذه المساعدات مقتصرة على الجانب الإنساني، بل باتت تُوظَّف ضمن استراتيجيات بناء النفوذ وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الجنوب العالمي، خاصة في إفريقيا وآسيا.


إنَّ أهمية هذا التقرير لا تكمن فقط في محتواه التحليلي، بل في كونه مرجعاً استراتيجياً يمكن البناء عليه في تقييم وتحسين الأداء الدبلوماسي الاقتصادي للدول، بل يمثِّل نموذجاً يُحتذى به عربياً في توثيق السياسات العامة بطرق علمية وواقعية.

ختاماً، فإنِّ التقرير يرسِّخ حقيقة أنَّ الدبلوماسية الحديثة لم تَعُدْ تكتفي بالكلام الدبلوماسي، بل أصبحت تقاس بمؤشرات الاستثمار، والمساعدات الإنسانية، واتفاقيات التجارة، ناهيك عن أهمية إدماج القطاع الخاص في المساهمة بشكل فاعل في المعونات الاقتصادية، وفي توثيق العلاقات النوعية مع دول العالم، وهي مجالات تتقن الإمارات أدواتها بحنكة واقتدار. بقي القول إنَّ الحاجة ماسة اليوم لتبنّي هذا المفهوم النوعي في توظيف الدبلوماسية للغايات الاقتصادية، وفي بلورة ذلك في شكل مؤشر علمي يمكن أن يكون توثيقاً لمستوى اهتمام كل دولة بالعمل الدبلوماسي النوعي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يقدِّم آلية علمية وعملية حول المعايير والمتغيرات التي يجب أن تحرص الدول على تبنّيها، لبناء دبلوماسية تخلق المصالح، وتمهِّد الطريق للتبادل التجاري والاستثماري بين الدول، بدلاً ممّا تفرضه الأوضاع الحالية، عالمياً وفي منطقتنا، من أدوات تريد من خلالها أن تكون السياسات الخارجية مُنصبَّة لإظهار القوة، وإظهار القدرات الحربية، ومعاداة الآخرين أو الاعتداء عليهم.