الشيخ فهد العجيلي .. حين تكون الدبلوماسية وجدانًا وتصبح السفارات منازل إخوة

mainThumb
الشيخ فهد العجيلي.. حين تكون الدبلوماسية وجدانًا وتصبح السفارات منازل إخوة

25-06-2025 08:09 PM

printIcon

 



سهم محمد العبادي
في حضرة سفارة سلطنة عُمان، لا تشعر أنك على أعتاب مبنى دبلوماسي، بل على عتبة ذاكرة مشتركة بين وطنين شقيقين، تتقاطع فيهما المودة قبل المصالح، ويُكتب التاريخ فيهما بالحبر نفسه: حبر الوفاء، والصدق، والانتماء العربي النبيل.

هناك، في جبل عمّان، عانقَت الروح العُمانية نبضَ الأردن. وكان في استقبالها رجل ليس كأي رجل، بل وجهٌ مشرقٌ من وجوه الدبلوماسية العربية الأصيلة: سعادة السفير الشيخ فهد العجيلي، الذي لا يُمثل سلطنة عُمان رسميًا فقط، بل يُمثل طيبتها، وشهامتها، وقيمها، وعمقها التاريخي الذي لا يخطئه القلب، وترى فيه كل شبر من تاريخ وطنه.

هذا الرجل الذي استقبلني بابتسامته النقية، وكرمه الفطري، جعل من اللقاء مناسبة وجدانية أكثر منها بروتوكولية. وفي حضرته، تشعر أن الدبلوماسية ليست مهنة، بل سلوك حياة، وميراث أجداد، ومكانة يُصعد إليها لا يُنصّب فيها.

في مجلسه، يُحدّثك عن الأردن وكأنه قطعة من قلبه. يذكره بأهله، وجامعاته، وشوارعه، وقياداته التي تركت أثرًا طيّبًا في وجدانه منذ أن كان طالبًا في كلية العلوم السياسية في الجامعة الأردنية. وفي صوته امتنانٌ عميق، يشي بأن الأوطان التي تترك فيك أثرًا، لا يمكن إلا أن تُحبّها.

حدثني عن السلطنة، عن نهجها الواضح، وسياستها الهادئة، ونقائها في زمن تعقّدت فيه المواقف. وعن السلطان الذي يمشي في السياسة كما تمشي الحِكمة على قدمين. وعن الشعب العُماني الذي لا يُجيد إلا الطيبة، ولا يُتقن إلا الوفاء.
تذوّقنا معًا الحلوى العُمانية، تلك التي لا تُصنع فقط من سكر وبهار، بل من روح الطيب، ويد الحب، وكرم العمانيين ، وذاكرة الأمهات. كانت الحلوى عنوانًا غير معلن عن كيف تصنع الشعوب أدواتها الناعمة في التعبير عن كرمها، وثقافتها، وأخلاقها.

وقد تشرفت بهذه الزيارة، وأنا أحمل في داخلي انطباعًا لا يُكتب بسهولة، بل يُختزن في القلب. ولم تكن السياسة بيننا، بل كان الشريان العربي النقي هو الحاضر: عُمان والأردن لا يجمعهما التقارب، بل التطابق؛ في الخلق، في الحكمة، في الأصالة.
كان الحديث من الروح إلى الروح، لا من وراء أوراقٍ ملوّنة.
كان كل شيء طبيعيًا، عميقًا، عربيًا... كما لو أن الأرض واحدة، واللهجة واحدة، والضمير واحد.
وفي سعادة السفير العجيلي، وجدت أن الدبلوماسية ليست وظيفة، بل وجه إنسان يُجيد الإنصات، ويُجيد الحب، ويُمثّل بلاده كما يُمثّل الفجر بياضه.
إنه وجه عُمان المشرق، كما نعرفها: رزينة، وافية، عزيزة، عميقة، لا ترفع صوتها، بل ترفع مكانتها.

وفي حديثنا، لم تكن الحدود السياسية حاضرة، بل كانت الضفة العربية الواحدة التي تجمع الأردن بعُمان. نتحدث عن التاريخ لا من منطلق رسمي، بل من منطلق العروبة الخالصة… عن الحب الذي لم يكن يومًا حب مصالح، بل حب أصل وجذر وعِشرة طويلة بين القيادتين والشعبين.

أشاد السفير بالدور الحكيم الذي تنهجه القيادتان في تمتين هذه العلاقة، جلالة السلطان هيثم بن طارق، وجلالة الملك عبدالله الثاني، مؤكّدًا أن ما يجمع عُمان بالأردن لا تقوى عليه المسافات، ولا تغيّره الظروف، فهناك شريان نقيّ يربط السلطنة بالمملكة، يجري فيه دم المحبة والوفاء.

كما أثنى على المكانة التي يحظى بها المواطن العُماني في الأردن، من طالب وزائر ومقيم، مؤكدًا أن الطلبة العمانيين الذين يدرسون في الجامعات الأردنية يجدون ما يليق بهم من حفاوة واحترام، كما هو حال الأردنيين في عُمان، الذين تُفتح لهم الأبواب وتُحفظ لهم المحبة والكرامة. وأضاف أن هذه العلاقة الإنسانية، المتبادلة بين الناس، هي التي تصنع عمق الأخوّة، قبل أن تصنعها الاتفاقيات.

سعادة السفير العجيلي لا يُمارس الدبلوماسية ببطاقات التعارف، بل يُمارسها كما يُمارس العربي صداقته: بلا قيد، وبلا رتوش، وبقلبٍ مفتوح. وهو لا يُخفي محبته للأردن، بل يُجاهر بها، ويُحملها معه أينما حلّ.

هو وجه عُمان المشرق في الأردن، كما الأردن دائمًا وجه مضيء في قلب الخليج.
هو ابن مدرسة العروبة، التي تعلّمت أن لا ترفع الصوت، بل ترفع القيمة.
هو من أولئك الذين حين يمثلون بلدًا، يُضيفون له ولا يختبئون خلفه.

وفي لحظةٍ من الصمت، أدركت أن هذا اللقاء لم يكن فقط زيارة، بل شهادة محبة بين بلدين ما زالا يكتبان علاقتهما بالحبر الذي لا يجف، على ورقٍ من الأصالة والعهد، وللحديث تتمة.