الدكتور الشبلي يكتب: لا تصلح الورقة الثانية ما أفسدته الأولى

mainThumb
د. مطيع الشبلي

29-06-2025 08:16 PM

printIcon

 

د. مطيع الشبلي

 

كعادته، ينتظر طلبة التوجيهي الورقة الثانية من امتحان الرياضيات بقلق يتراوح بين الأمل والترقّب، على أمل أن تأتي معادلة التوازن بعد ورقة أولى تميزت بصعوبتها. لكنّ ما حدث اليوم في امتحان الورقة الثانية خالف هذه التوقّعات وأحبط آمال الآلاف من الطلبة، إذ جاءت الأسئلة – لا سيما في محاور التكامل، الاتجاهات، والإحصاء – بمستوى من التعقيد لا يتناسب مع طبيعة الامتحان الموحد، ولا مع أهداف العدالة التربوية.

التكامل: متاهة غير مبررة

أسئلة التكامل لم تكن فقط دقيقة أو عميقة، بل حملت طابعًا أقرب لأسئلة المسابقات الأولمبية منها إلى امتحانات الثانوية العامة. استخدمت أساليب ملتوية في صياغة المعطيات، وطُرحت بأشكال تتطلب وقتًا مضاعفًا لفهم المطلوب، ناهيك عن الحل. وفي الوقت الذي يتوقع فيه الطالب تطبيق مهارات محددة تدرب عليها خلال العام، وُضع أمام نماذج تتطلب تفكيرًا تجريديًا أعلى، لا يناسب أغلب الطلبة، ولا ينسجم مع التدرج المعرفي المفترض.

الاتجاهات: بين الغموض واللبس

في محور الاتجاهات، ظهرت مشكلات أخرى تتعلق بالغموض في صياغة بعض الأسئلة، ما أربك الطلبة وأدخلهم في دوامة من التفسيرات المحتملة، ما بين الزاوية المرجعية، واتجاه القياس، وغيرها من التفاصيل الدقيقة التي لم تُطرح بصورة مباشرة أو واضحة. هنا، لم تكن المشكلة في صعوبة المهارة فقط، بل في عدم وضوح اللغة الامتحانية، مما قد يؤدي لاختلافات في الفهم بين طالب وآخر.

الإحصاء: خارج حدود المنهاج

أما الإحصاء، فقد تم تجاوزه من حيث المحتوى المتوقّع، إذ ظهرت أسئلة تتطلب فهمًا عميقًا لإجراءات التحليل الإحصائي دون أن يكون هذا العمق مشمولًا ضمن أهداف الدرس أو نماذج الوزارة السابقة. بدا كأن الامتحان صيغ لتمييز قلة قليلة من الطلبة، بدلاً من قياس الكفاءة لدى الغالبية.

العدالة التربوية على المحك

إن الاختبارات الوطنية يجب أن تستند إلى معايير موضوعية تحقق العدالة بين الطلبة، لا أن تكون أداة لإظهار الفجوة بين القادرين على الوصول إلى دروس خصوصية متقدمة وبين من يعتمد على المدرسة وحدها. الورقة الثانية لم تنجح في تحقيق هذا التوازن، بل زادت من عمق الأزمة التي خلّفتها الورقة الأولى، في انتهاك صارخ لمبادئ التقييم العادل والمستوى المتوقع من طالب في هذه المرحلة المصيرية.

رسالة إلى وزارة التربية

إننا نوجه رسالة واضحة إلى وزارة التربية والتعليم: التوجيهي ليس ساحة للتجريب أو للمفاجآت غير المحسوبة. بل هو امتحان مصيري يجب أن يتسم بالوضوح، التدرج في الصعوبة، والالتزام التام بمحتوى المنهاج. لا يجوز أن يكون مصدر رعب أو إحباط، بل أداة تقييم حقيقية لمدى فهم الطلبة، لا تحديهم بأسئلة خارجة عن المألوف.