إبراهيم أبو حويله
هل يخفى على أحد حجم المعاناة التي تعيشها هذه الفئة، بين قروض البنوك، ووطأة التطبيقات، والنِسَب المستحقة، والتعديلات المطلوبة، والخصومات المفروضة، وبين ضغط الحياة اليومي وتكاليف المعيشة التي لا ترحم؟
كنتُ أسير على طريق عمان–السلط، المزدحم بالمطاعم والحركة والطلبات، حين سمعتُ صوتًا يلحّ عند إشارة الترخيص، يريدها أن تفتح فورًا، ويريد للطريق أن يخلو من المارة والمركبات. ربما كان يحسب كم طلبًا بقي له، وهل سيتمكن من تأمين اليومية المطلوبة؟ هل اكتمل قسط البنك؟ وهناك رسوم الترخيص، والهيئة، والشحن أو البنزين، وهناك الحليب، أو الفوط، أو الأجرة، أو مصروف البيت، أو طلبات لا تنتهي.
هل يحق حقًا لهذه الفئة، التي تقود سيارات حديثة، وتسير في شوارعنا بسرعات عالية، وتسعى لهدف أو أهداف، وتريد أن تؤمّن مبلغًا يوميًا يثقل كاهلها، أن تدرك أن الطريق للوصول يبدأ بإيثار السلامة، والالتزام بقواعد المرور؟
وأن تترك لها الطريق تلك الفئة الأخرى، التي تعتبر الطريق نزهة خاصة، فتسير ببطء شديد، تقل سرعتها عن الحد المقرر بعشرات الكيلومترات، وكأنها تنعم بوقت فراغ وجيبة عامرة، لا يثقلها همّ أو طلب؟
نسي هذا المتباطئ يومًا حين كان شابًا، أو حين أغرقته الحياة بالطلبات والالتزامات، كيف كانت الحياة تُركضه من مكان إلى آخر.
وهناك فئة – من فئة كباتن التوصيل ذاتها – لا تحترم الشارع ولا القانون، وتشكل خطرًا على الطريق ومن فيه. وهنا، لا بد للقانون أن يراعي الحقوق والواجبات، ولربما يجب أن تُدار شوارعنا بالذكاء الاصطناعي، حتى تُعطى الحقوق لأصحابها.
فلا يجوز لهذا أن يُبطئ بتلك الطريقة، ولا لذاك أن يُسرع ويتجاوز بهذه الطريقة.
ويجب على حكومتنا الرشيدة أن تسعى للتخفيف عن هذه الفئة من الشباب، التي ترزح تحت وطأة الكثير من الضغوط، بدلًا من أن تزيدها بفرض الرسوم ورفع التكاليف.
كما يجب أن تُلزم البنوك بوضع آلية مرنة للتعامل مع هذه الفئة، تُراعي ظروفهم، وتُخفّض الفوائد والنِّسَب عليهم.
نعود إلى الطريق...
فبعد مسافة بسيطة، سمعتُ صوتًا ضخمًا خلفي. نظرتُ في المرآة، فإذا بسيارة صغيرة تطير في الهواء، وترتطم عدة مرات بالحاجز الإسمنتي، ثم تستقر على ظهرها في منتصف الطريق.
وقفتُ على اليمين، ونزلت، ومثلي العشرات. أعدنا السيارة إلى وضعها الطبيعي، وقد تحطم فيها كل شيء تقريبًا، وانفتحت أكياس الهواء، وتناثرت أجزاؤها هنا وهناك. أُنزل منها شاب في حالة متوسطة، يرتدي زيًّا رسميًا لإحدى شركات التوصيل.
كل الدعوات بالسلامة لهذه الفئة، ولكل من يقود على طرقنا المزدحمة بكل شيء.