أخبار اليوم - شجرة "الميسة" أو "الميس"، تلك الشامخة على سفوح جبال محافظة الكرك، التي تشكّل أكثر من مجرد مظهر طبيعي، بل "ذاكرة حية وصامتة للزمن والمكان" كما يقول رئيس بلدية عيّ عبدالحي الرواشدة.
في لقاء خاص مع "الرأي"، يتحدث الرواشدة بحميمية عن رمز بيئي وثقافي لطالما شكّل جزءاً من الهوية المحلية والوطنية.
يصف الرواشدة الميسة بأنها: "سيدة الجبل، أنثى الزمن التي وقفت بصمت وشموخ أمام تقلبات الأزمنة، تحرس الأرض وتحتضن الذكريات..".
ويرى أنها ليست مجرد شجرة، بل "كائن حي يختزن في جذوره عبق الحضارات، ويهمس بأغصانه لكل من مرّ من هنا يوماً، من رعاة وأنبياء ومحبين"، حتى إنها صارت جزءا من الموروث الشعبي الذي يتغنى به الأردنيون.. "يا شجرة الميس بس الليلة ظلينا ... الليلة عندك وباكر عند أهالينا"
يوضح الرواشدة أن شجرة الميسة، المعروفة علمياً باسم "البلوط الشرقي"، تنتمي إلى عائلة السنديان، لكنها تمتاز بخصوصية فريدة، أكان من حيث شكلها الملتف ككفّ عجوز حكيمة، أو ظلها الوارف الذي لطالما كان ملاذاً للسكان في الصيف، وملجأً لطيور الشتاء.
ويؤكد أن تاريخ منطقتنا "لا يُقرأ فقط في الكتب، بل يُستدل عليه من جذور هذه الشجرة التي كانت جزءاً من طقوس الحياة اليومية.
ويشدد الرواشدة على أن للميسة دوراً محورياً في تشكيل الهوية القروية والزراعية للمنطقة؛ "الميسة ليست رمزاً طبيعياً فقط، بل ساهمت في تشكيل نمط العيش والزراعة ومواسم المحاصيل. بل إن أسماء بعض قرانا اشتُقّت منها، لتظل هذه الشجرة شاهدة على علاقة الإنسان الأردني بأرضه".
يعبّر الرواشدة عن قلقه الشديد حيال التحديات التي تواجهها الميسة، وأبرزها ما وصفه بـ"التهديد الصامت" الذي تمثله مشاريع الإسمنت والتوسع العمراني العشوائي.
"نحن اليوم أمام لحظة فارقة؛ الميسة لم تعد فقط شجرة في مرمى الجرافات، بل ذاكرة مهددة بالاندثار. ما لم نتحرك، سنفقد ليس فقط مكوّنا بيئيا، سنفقد قطعة من وجداننا".
ويدعو الرواشدة إلى إطلاق حملات توعوية لحماية هذا الإرث، ويطالب بدمج رمزية الميسة في المناهج الدراسية والمبادرات الشبابية.
"حبّ الأرض لا يُورّث بالكلام فقط، بل بالتجربة والمعرفة. علينا أن نزرع الميسة في وجدان الأطفال، تماماً كما نُعلمهم الأناشيد الوطنية".
ويوجّه رئيس بلدية عي نداءً للمجتمع المحلي والمؤسسات الحكومية والمنظمات البيئية، للمساهمة في حماية هذا الرمز الذي "لا يموت، بل يتجدد كلما تذكّرنا أن الأرض ليست ملكاً نرثه، بل أمانة نوصي بها للأجيال القادمة"..