بعد عامين من إطلاق "الرؤية الاقتصادية"، أصبح من الضروري أن نذهب للتقييم الحاسم لما تم إنجازه، فلم يعد الأمر مجرد مراجعة روتينية، بل هو لحظة فاصلة تتطلب وضوحا في الرؤية،وصراحة في التشخيص، وجدية في اتخاذ القرار، لأن نجاح الرؤية لا يقاس بالتمني، بل بواقع التنفيذ، فهل نبدأ بالتقييم الجدي؟
التقييم ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو حجر الأساس لاستدامة النجاح واستقرارنا الاقتصادي، ومن هذا المنطلق أجزم أن الالتزام الحقيقي بـ"رؤية التحديث الاقتصادي" هو الضمان الأكبر لوصولنا إلى بيئة اقتصادية مستقرة وواعدة، ومع ذلك لا يمكننا أن ندّعي أننا قد نصل لمرحلة الكمال بتنفيذ هذه الرؤية، فهناك عوامل قد تكون خارجة عن إرادتنا، وترتبط بالضغوط الجيوسياسية، أو نتيجة تباطؤ وتهاون بالتنفيذ.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، شهدنا خلال العامين الاخيرين تقلبات اقتصادية عالمية أثرت على أسعار النفط وأسواق المال، وتعقيدات بسلاسل التوريد، وموجات التضخم وتوسع في استخدام الذكاء الصناعي، ما يجعل من الضروري لبعض القطاعات الذهاب لإعادة ترتيب أولوياتها، فالرؤية ليست خطا مستقيما، بل مسار يتطلب مرونة وتكيفا مع المتغيرات، لهذا فإنني أجد أن عملية إعادة التقييم أهم من المراجعة التقليدية.
اليوم، ومع انطلاق جلسات المراجعة بالديوان الملكي، تتوفر أمامنا فرصة ثمينة لإعادة قراءة الواقع، وفرصة نرصد من خلالها الإنجازات والتحديات، وما تحقق وما بقي قيد التأجيل،لماذا تاخرت بعض الأولويات، فالتوجيه المستهدف للأسئلة نحو الجهات المعنية بالتنفيذ هو الخطوة الأهم، لأنها وحدها القادرة على تقديم التشخيص الدقيق للأخطاء، ورصد العقبات، و تحديد ما يستحق التعديل أو التحسين، وأيضا ما ينبغي أن يستمر ويعزز.
الرئيس الأمريكي السابق كينيدي قال أن"التغيير هو قانون الحياة، وأولئك الذين ينظرون فقط إلى الماضي أو الحاضر بالتأكيد سيفقدون المستقبل،" لذا، علينا أن لا ننظر إلى الماضي وأن نستثمر هذه اللحظة لإعادة النظر بموضوعية وبدون تردد.
خلاصة القول، إن لحظة التقييم الحاسم ليست مجرد مرحلة عابرة، بل هي نقطة انطلاق نحو إصلاح حقيقي وإعادة صياغة الطريق، بعيدا عن المبررات والبطء، ومن خلال هذا التقييم يمكننا أن نؤسس لاقتصاد أكثر مرونة، وقطاعات أكثر فعالية، ورؤية أكثر وضوحا لتحقيق التنمية المستدامة التي نطمح إليها جميعا والتخفيف من البطالة وتجويد الخدمات.