الأسرى المبعدون إلى غزة .. عائلات محرومة من اللقاء والوداع

mainThumb
الأسرى المبعدون إلى غزة.. عائلات محرومة من اللقاء والوداع

16-07-2025 01:47 PM

printIcon

أخبار اليوم - ثاروا على ظلم الاحتلال في ريعان شبابهم، فسُرقت زهرات أعمارهم داخل السجون، حتى كُسرت قيود المؤبدات بصفقة تبادل، وخرجوا إلى النور مبعدين عن نابلس والخليل والقدس ومدن ومخيمات الضفة الغربية، لكنهم ظلوا في حضن الوطن.

احتضنتهم غزة، فأسسوا أسرًا وعاشوا فرحة الأبوة، وأكملوا طريقًا لم يتخلوا عنه، وظلوا يحلمون بالعودة إلى ديارٍ وُلدوا وترعرعوا فيها، إلى حضن الأمهات وعناق العائلات، لكن الاحتلال لاحقهم مجددًا في غزة، واغتالهم، لتنتهي رحلة السجن والإبعاد والغربة بالشهادة.

ضمن سياسة ممنهجة، استهدف الاحتلال خلال حرب الإبادة الجماعية على غزة الأسرى المحررين المبعدين، فاستشهد منهم 31 محررًا من أصل 206 مبعدين من الضفة الغربية، بينهم 180 أسيرًا أُبعدوا في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، و26 محررًا من مبعدي كنيسة المهد عام 2002.

قبل أسابيع، سافرت والدة الأسير المحرر أمجد أبو عرقوب (43 عامًا) إلى مصر، وأقامت عند زوجته وأطفاله الذين غادروا غزة في مارس/ آذار 2024 هربًا من جحيم الحرب. ومع بدء الحديث عن جولات التهدئة، كانت تترقب أن تفضي إلى نهاية الحرب وفتح المعابر، على أمل لقاء نجلها بعد فراق سنوات، لكن صباح الثامن من يوليو/ تموز 2025، استُهدفت خيام الإيواء في مواصي خان يونس، واستشهد أمجد، ليُحرَم اللقاء والوداع معًا.

في ذلك اليوم، ارتكب الاحتلال مجزرة استُشهد خلالها ستة أسرى مبعدين باستهداف خيام نزوحهم في مواصي خان يونس والزوايدة وسط قطاع غزة، وهم: أمجد أبو عرقوب من الخليل، ومحمود أبو سرية من جنين، وبلال زراع من رام الله، ورياض عسلية من القدس المحتلة، وناجي عبيات من بيت لحم، ومحمود إبراهيم الدحبور من نابلس.

الحرمان من العائلة

عاش أمجد أبو عرقوب حياة إبعاد قاسية. منع الاحتلال أهله من زيارته، وبعد ثمانية أشهر من تحرره، التقى بوالدته وشقيقته في غزة، ومكثتا معه فترة قصيرة قبل أن تعودا إلى الضفة.

ارتبط بدعاء (30 عامًا) وهي من غزة، ولم تتمكن عائلته من حضور زفافه، فعاش فرحته وحيدًا. أنجب أربعة أطفال: أمير (12 عامًا)، أميرة (9 أعوام)، ريتال (7 أعوام)، وآدم (عامان).


تقول زوجته لـ فلسطين أون لاين: "عشنا حياة نزوح وتشرد كغيرنا، تنقلنا مرات عدة حتى وصلنا جنوب القطاع، وسافرت مع الأطفال إلى مصر في مارس 2024. فرّقتنا الحرب، وكان يتوق لرؤيتنا. عندما بدأت الحرب كان عمر آدم أربعين يومًا، واليوم شارف على عامين."

وتضيف: "حين بدأ يتعرف على والده، كنا في مصر، وكان التواصل عبر مكالمات الفيديو محدودًا بسبب ظروف النزوح والملاحقة."

تصفه بأنه "حنون، يتوق لأشقائه في الخليل، ويتمنى رؤيتهم ولو مرة واحدة." وتتابع بحسرة ممزوجة بالفخر: "كنت فخورة بزواجي من أسير محرر. ربى أبناءه بحب، وأكمل تعليمه الجامعي وحصل على الماجستير، وكان يتهيأ لنيل الدكتوراه."

وتقول والدته بصوت مكسور: "ذهبت إلى مصر أترقب الصفقة المتوقعة في أغسطس القادم، لكنهم أحرقوا انتظاري ولهفتي... وقتلوه."

عذابات الحرب والغربة

أما بلال إسماعيل زراع (45 عامًا) من كفر نعمة برام الله، فقد اعتُقل عام 2004، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد و25 عامًا، وأُفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار.

بعد خروجه، تزوج، ودرس إدارة الأعمال في الجامعة الإسلامية، وأكمل الماجستير، وعاش معاناة النزوح مثل أهل غزة.

تقول زوجته، آثار (34 عامًا) وهي رفيقة الإبعاد: "أتيت من كفر نعمة، وتزوجته رغم الغربة، وعشنا معًا بعيدًا عن أهلي. خلال الحرب، لم نجد مأوى، لأننا لسنا من غزة ولا عائلة لنا فيها. سافرت مع طفلينا، إسماعيل (11 عامًا) وعمر (9 أعوام)، وتركته ينتظرنا في غزة."



وتتابع: "كان دائمًا صابرًا، راضيًا، يعيش ويلات الحرب مثل باقي الناس، ويقول: (كلنا على هذا الطريق، لازم تصبري). وكان يوصينا بالصلاة والقرآن وتعليم الأولاد."

تصفه بأنه "أب وزوج حنون، الأولاد تعلقوا به أكثر مني. عشت معه 10 سنوات ونصف في الغربة، وسنة ونصف بعيدة عنه. كان كل عائلتي... نعم الأب والزوج، حنون وكريم". وتختلط كلماتها بزفرات مؤلمة.

مكالمة قطعها القصف

في الساعة العاشرة و19 دقيقة من صباح الثامن من يوليو/ تموز الجاري، أجرى المحرر محمود أبو سرية مكالمة مع زوجته التي تقيم خارج غزة، استمرت خمس دقائق فقط، قبل أن تنقطع فجأة.

عاودت زوجته الاتصال دون جدوى، لتصطدم بخبر استشهاده يتصدر وسائل الإعلام، بعد قصف خيمته في مواصي خان يونس.

أبو سرية من جنين، نشأ في أسرة مناضلة فقدت منزلها خلال اجتياح مخيم جنين عام 2002. اعتُقل وهو في التاسعة عشرة، وحُكم بالسجن المؤبد، قضى منه 16 عامًا.

تزوج في غزة من فتاة من بيت لحم جاءت لزيارة شقيقها المبعد، وأنجبا أربعة أبناء.

تقول زوجته دلال (36 عامًا) لـ"فلسطين أون لاين": "في 10 أكتوبر 2023 قُصفت العمارة التي كنا نعيش فيها، ونجونا بأعجوبة. بعدها بدأنا حياة النزوح. سافرنا بعد سبعة أشهر إلى خارج غزة، بسبب صعوبة العيش، وإصابة ابننا بالكبد الوبائي، وبقينا على تواصل رغم الظروف."


تستحضر صوته الحنون وهو يوصيها بالصبر، وتقول: "كان يهيئني دائمًا لاحتمال الفقد، يقول: (هم السابقون ونحن اللاحقون).. وعندما يستشهد أحد رفاقه، يردد: (كلنا مشروع شهادة)."

 فلسطين أون لاين