محمَّد الخطيب " شهيد الإنسانيَّة " الَّذي تعمَّد الاحتلال اغتياله

mainThumb
محمَّد الخطيب " شهيد الإنسانيَّة " الَّذي تعمَّد الاحتلال اغتياله

19-07-2025 10:24 AM

printIcon

أخبار اليوم - في قلب الحرب المستعرة على قطاع غزة، ارتقى محمد الخطيب، مدير مركز إيواء غرب مدينة غزة، في مجزرة مروعة ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، حين استهدفت طائراته مدرسة "أبو عاصي" التي كانت تؤوي عشرات العائلات النازحة، ما أسفر عن استشهاده مع عشرات الأطفال والنساء، ممن فرّوا من الموت ليصطدموا به مجددًا في "ملاذهم الأخير".

لم يكن محمد الخطيب مجرد مدير لمركز إيواء، بل كان ركيزة العون والإنسانية لآلاف النازحين الذين احتموا بالمركز هربًا من القصف والدمار. ترك خلفه زوجة مكلومة وأربعة أطفال – ولدين وبنتين – حرمهم الاحتلال من والدهم، لا لذنب اقترفه، سوى أنه كرس حياته لخدمة من تقطعت بهم السبل.

تقول زوجته، وهي تحبس دموعها بصعوبة لصحيفة "فلسطين": "كان محمد يقضي معظم وقته في مركز الإيواء، لا يعرف الراحة، يسعى جاهدًا لتأمين ما يمكن للنازحين من طعام وأغطية وحاجات أساسية. يتواصل مع المؤسسات الخيرية والمتبرعين، وكان نعم الزوج والأب الحنون".

وتتابع: "رغم انشغاله، كان حضوره يملأ حياتنا سعادة وأمانًا. لم أتخيل يومًا أن تكون مساعدة الناس سببًا في موته. كم هو موجع أن يُقصف الإنسان لأنه فقط... إنسان".

في أروقة المركز، ما زال الحزن يخيّم على وجوه النازحين، الذين فقدوا يدًا كانت تمتد إليهم، وصوتًا كان يخفف عنهم آلامهم.

يقول أبو محمد شقورة، أحد النازحين: "ما رأيت أحدًا أنشط منه في هذه الحرب. كان كخلية نحل لا يهدأ، يسهر ويتعب من أجل راحة الناس. فقدناه، ولن يعوّضه أحد".

أما عاصم صلاح، نازح آخر، فيؤكد أن غرفة إدارة المركز لم تكن تخلو من الناس الذين يطرقون بابه، حاملين همومهم وشكاواهم، "كان يَجمع المتخاصمين، يصلح بين الناس، ويقف مع الجميع. لا يردّ سائلًا، ولا يُخيّب أحدًا".

محمد الخطيب كان صوتًا للإنسانية في زمن القتل. لم يعرف الأنانية، وتفرغ لخدمة النازحين الذين شُرّدوا من بيوتهم، فكان لهم ملاذًا نفسيًا وماديًا، وعونًا في أدقّ لحظات الضعف.

في الآونة الأخيرة، صعّد الاحتلال استهدافه المتعمّد لمراكز الإيواء والمدارس، وهي أماكن صنفتها القوانين الدولية كمناطق محمية، لكنها في غزة أصبحت هدفًا مباشرًا. قصف لا يفرّق بين طفل وامرأة، ولا يستثني أحدًا، في محاولة لكسر صمود الناس، وطمس آخر مظاهر الحياة.

تقول زوجته بصوت مخنوق بالحسرة: "كنا نظن أن المدارس والمراكز أكثر أمانًا، لكن القصف الغادر قتل الأمان فينا، وأخذ منّي زوجي، ومن أطفالي سندهم في الحياة".

اليوم، تنعى غزة رجلًا قاد معركة صامتة ضد الموت والجوع، لم يحمل سلاحًا، بل حمل قلبًا يتسع للجميع. رحل محمد، لكنّه ترك أثرًا لا يُمحى، ومشوارًا إنسانيًا سيبقى شاهدًا على جرائم الاحتلال، وعلى عظمة الإنسان حين يواجه الرعب بالفعل النبيل.

وفي زوايا مركز الإيواء، لا يزال صدى خطواته يتردد. لا تزال همساته تدفئ الجدران، ويظل اسمه محفورًا في ذاكرة النازحين: "محمد الخطيب... شهيد الإنسانية، الذي لم يمت، بل أصبح ضميرًا يرافق غزة إلى أن تستعيد كرامتها وحقها في الحياة".







 فلسطين أون لاين