أخبار اليوم – تالا الفقيه
قال الدكتور عايش النوايسة أن التطور التقني والرقمي وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي رفع مستوى التواصل بين الناس من مختلف الفئات، لكنه في الوقت ذاته فتح الباب لظهور سلوكيات سلبية بارزة، أبرزها التنمر الإلكتروني. هذا السلوك يقوم على عدوان متعمد ومتكرر يُمارس عبر الوسائط الرقمية مثل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، ويهدف إلى إلحاق الأذى النفسي والاجتماعي والمعنوي بالضحية، سواء من خلال التهديد أو السخرية أو الإشارة أو نشر معلومات وتعليقات موسيقية أو جارحة على نطاق واسع. وقد أصبح التنمر الإلكتروني ظاهرة تستدعي مواجهة جدية بعدما دفعت آثاره النفسية والاجتماعية العميقة العديد من الدول إلى التدخل عبر تشريعات وقوانين، مثل قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن.
ومع أن وجود القوانين يوفر أداة للردع، إلا أن المواجهة الحقيقية تبدأ من الأسرة والمدرسة والجامعة والمجتمع. الوعي الرقمي أصبح ضرورة ملحة، ويجب أن يتجسد في تعليم الأفراد كيفية حماية حساباتهم واستخدام كلمات مرور آمنة والحد من الانكشاف على المنصات، إلى جانب رقابة أسرية مسؤولة على ما ينشره الأبناء وتخصيص أوقات محددة لاستخدام الأجهزة. وفي البيئة المدرسية تحديدًا، تبرز الحاجة إلى تعزيز القيم الإنسانية وتنمية المهارات الاجتماعية مثل الاحترام والتسامح والتعاطف وتعلم أساليب حل النزاعات بالحوار وقبول الرأي الآخر، بما يخلق مناخًا يقي الطلبة من الانزلاق إلى سلوكيات عدوانية.
المصاب بالتنمر الإلكتروني يحتاج أيضًا إلى دعم نفسي واجتماعي عاجل من خلال الإرشاد التربوي والتدخل السريع، إضافة إلى ضرورة تطبيق القوانين الخاصة بالجرائم الإلكترونية بشكل فعّال وإعادة دمج المتضررين في برامج تأهيلية تساعدهم على استعادة ثقتهم بأنفسهم وتعزز شبكات الدعم الأسري والاجتماعي من حولهم. كما أن المؤسسات التربوية والاجتماعية والدينية تتحمل دورًا مهمًا في نشر التوعية وتعزيز القيم الأخلاقية التي تقوم على احترام الآخر والابتعاد عن الإساءة.
التنمر الإلكتروني لم يعد مجرد سلوك فردي عابر، بل تحول إلى ظاهرة اجتماعية تحمل آثارًا خطيرة على الأفراد والمجتمعات. مواجهته مسؤولية جماعية تتطلب تضافر القوانين مع التربية والوعي والدعم النفسي والاجتماعي، حتى نحمي الأجيال ونبني مجتمعًا أكثر وعيًا وأمانًا.