بقلم: د. إيمان الشطرات – أخصائية نفسية وتربوية
هل فكّرت يومًا لماذا تتجه يدك نحو قطعة الحلوى عندما تشعرين بالتوتر؟ أو لماذا تزداد شهيتك حين يثقل قلبك بالحزن؟ ليست المسألة مجرد رغبة في الطعام، بل حوار صامت بين النفس والمعدة، بين المشاعر التي تبحث عن راحة مؤقتة والجسد الذي يستجيب دون وعي. هنا يظهر ما يُعرف بـ اضطراب الأكل العاطفي، أحد أكثر أنماط السلوك الغذائي انتشارًا في عصر الضغوط السريعة والمشاعر المكبوتة.
ما هو الأكل العاطفي؟
الأكل العاطفي هو تناول الطعام استجابةً للحالة النفسية وليس للجوع الحقيقي. فبدل أن يكون الأكل وسيلة لتغذية الجسد، يتحول إلى وسيلة لتهدئة المشاعر. وغالبًا ما يختار الشخص أطعمة مريحة أو مُرضية مثل الشوكولاتة أو المأكولات الغنية بالدهون والسكر، بحثًا عن لحظة دفء أو رضا مؤقت.
️ لماذا نأكل عندما نتألم؟
تتعدد الأسباب النفسية وراء هذه الظاهرة، منها:
التوتر والقلق: يزيدان من إفراز الكورتيزول، الذي يحفّز الشهية.
الملل أو الفراغ العاطفي: فيغدو الطعام بديلًا عن التفاعل والمشاعر.
العادة والتربية: حين يرتبط الطعام منذ الطفولة بالمكافأة أو الراحة.
نقص الوعي بالجوع الحقيقي: كثيرون لا يميزون بين الجوع الجسدي والجوع العاطفي.
️ الثمن النفسي والبدني
الأكل العاطفي لا يترك أثره على الميزان فقط، بل على النفس أيضًا. فالشخص غالبًا ما يشعر بالذنب والندم بعد الأكل، ويتولد لديه صراع بين الرغبة في الراحة والحرص على السيطرة. ومع الوقت، قد يتطور الأمر إلى نهم غذائي أو اضطرابات في الصورة الذاتية، ما يزيد التوتر والدوران في حلقة مغلقة.
كيف نكسر الدائرة؟
التعامل مع الأكل العاطفي لا يعني الحرمان، بل استعادة الوعي بالمشاعر. وفيما يلي بعض الخطوات العملية:
راقبي مشاعرك قبل الأكل: هل أنتِ جائعة حقًا أم تحتاجين راحة؟
استبدلي الأكل بنشاط آخر مهدئ، مثل المشي أو التأمل أو الكتابة.
عبّري عن مشاعرك بدل كتمانها — الحديث يخفف من وطأة الألم أكثر من الطعام.
نظّمي أوقات الوجبات لتجنب الأكل العشوائي.
كوني رحيمة بنفسك: التغيير لا يحدث في يوم واحد.
في الختام
اضطراب الأكل العاطفي ليس ضعفًا في الإرادة، بل صرخة غير مسموعة من الداخل. وحين نُصغي إليها بفهمٍ وحنان، نكتشف أن الجوع الحقيقي لا يُروى بالطعام، بل بالسلام النفسي والتوازن العاطفي.