كتب أ.د. محمد الفرجات
تتعامل المملكة الأردنية الهاشمية مع واحدة من أصعب ملفات الأمن المائي في العالم، إذ تُعدّ من أكثر الدول عُرضة للشّح المائي؛ فحجم المياه السنوي المتجدّد للفرد أقل بكثير من الحدود الدنيا المُعتمدة دولياً، ما يجعل من إدارة الموجودات المائية والحفاظ عليها أمراً استراتيجياً لا يُمكن التهاون به.
في هذا السياق، نشيد بجهود وزارة المياه والري الأردنية التي، والتي وبالرغم من القيود المناخية والموارد المحدودة، قامت بعدّة خطوات إيجابية وجوهريّة تستحق التقدير:
أطلقت الوزارة استراتيجية وطنية للمياه للفترة 2023-2040، تتناول التحديات المرتبطة بانخفاض الأمطار، النمو السكاني، التوسّع العمراني، وتغيّر المناخ، وتضع أولويات لتوسيع الموارد وتحسين الكفاءة والمراقبة.
عملت على تعزيز البُنى التحتيّة للمياه – من تحسين شبكات التوزيع، خفض الخسائر، معالجة مياه الصرف، إلى تشجيع إعادة استخدامها في الريّ والزراعة.
في ظل موسم مطري يُوصَف بأنه «الأَضعَف منذ عقود» لعام 2024/2025، أعلنت جهات الأرصاد أن الأداء المطري في معظم الأقاليم لم يصل إلى النصف حتى منتصف الموسم، ما اضطر الوزارة إلى اتخاذ تدابير إضافية للتأقلم مع النقص.
تعزيز الشراكات مع المنظمات الدولية كـ اليونيسف لتطوير إطار للرصد والمراقبة، إذ تمّ إطلاق آليات لمتابعة مؤشر المياه والصرف بالشراكة بين الوزارة والمنظمة.
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن الوزارة تُقدِّم أداءً يستحق التقدير في ضوء السياق الصعب: موارد مائية شحيحة، ضغوط من النمو السكاني واللاجئين، تغيّر مناخي يزيد من الجفاف. إن إدارتها لهذه التحديات هي نموذج يُحتذى به ضمن إمكاناتها.
مدى إمكانية تحمّل عامٍ آخر قاسٍ من الشح المائي:
رغم التقدّم المحرَز، إلا أن الإشارة إلى إمكان تحمّل موسم إضافي من الشّح تستوجب الوقوف عند عدد من المعطيات وتحليلها:
المعطيات المناخية والتوقعات:
تُشير بيانات المِنطقة إلى أن الموسم المطري لعام 2024/2025 كان «الأضعف منذ موسم 1978/1979».
كذلك، تُبيّن مؤشرات الأمطار أن هطول الأمطار في الأردن لعام 2024 انخفض إلى نحو 89.38 مم بعد أن كان في 2023 نحو 145.37 مم.
من جهة أخرى، هنالك توقعات من مصادر المناخ تُشير إلى استمرار تزايد درجات الحرارة والجفاف تحت سيناريوهات تغيّر المناخ، مع احتمال انخفاض إضافي في معدلات هطول الأمطار.
ما يعنيه ذلك:
وصول الموسم إلى مستويات أقل من المعدل يجعل المخزون المائي – في خزّانات السدود والموارد الجوفية – تحت ضغط كبير، ويقلّ هامش الأمان المائي المتاح.
في حال تكرار موسم شحّ مماثل، سيُضطر القطاع المائي إلى تشديد الإجراءات: تقليص التخصيصات الزراعية، رفع كفاءة الري، تسريع مشاريع تحلية أو نقل المياه، وربما فرض خُفضات للاستخدام المنزلي أو التجاري.
من الناحية الاقتصادية والزراعية، موسم إضافي من الشح يمكن أن يسبب اضطرابات في الأمن الغذائي، خاصة في الزراعة التي تستهلك نحو نصف المياه المستغَلة.
التقييم النهائي:
بناءً على هذه الوقائع: نعم، يمكن القول إن الأردن – عبر وزارة المياه والري – يظهر قدرة معتبرة على الصمود وربما تحمل سنة إضافية من الشحّ، لكن مع تحذير مهم: ليس بالشكل الذي يسمح بالاعتماد على الموارد كما في سنوات الوفرة. القدرة على التحمّل ستكون مشروطة بعدّة عوامل:
سرعة تنفيذ مشاريع تعويض النقص مثل التحلية أو نقل المياه (أو إعادة الاستخدام)
التوجه للحفر العميق، مع إدارة حكيمة للاستكشاف والحفر وتأهيل الآبار والضخ، مع معالجة المياه المستخرجة لتخفيض الملوحة والحرارة، وإزالة الأنوية المشعة إن وجدت.
التزام فعلي من جميع القطاعات (زراعة، صناعية، منزلية) بخفض الطلب وتحسين الكفاءة
وجود تخطيط مُسبق وتصريف احتياطي حتى في ظل الموسم الشحيح.
بدون هذه الشروط، فإن احتمال أن يصل النظام إلى حدّ «نفاد الطوارئ» وارد، ما قد يدفع إلى إجراءات تقشف مائي أشد.
يُمكن القول إن وزارة المياه والري الأردنية، في مواجهة ظروف استثنائية، تبذل جهداً يُعتبر مشرفاً. لكنها – ومع ذلك – في مرحلة حرجة تستوجب تعبئة كاملة: فموسم شحّ مائي واحد تمَّ تحمّله، والموسم الثاني سيكون اختباراً حقيقياً لقدرة النظام المائي والمجتمع على التكيّف.
يُنصح بأن يُصاحب هذا الجهد الوطني توعية مجتمعية مكثفة وإجراءات واضحة لتحسين الكفاءة وترشيد الاستهلاك، حتى لا يصبح الصمود إنهيار أمام واقعٍ أكثر جفافاً لا قدر الله تعالى.