(مضادات) دون وصفة .. خلل في الممارسة أم ضعف بالرقابة؟

mainThumb
(مضادات) دون وصفة.. خلل في الممارسة أم ضعف بالرقابة؟

26-10-2025 05:36 PM

printIcon
  • تشديد الرقابة على صرفها ضرورة عاجلة

    - هلسة : تزايد حالات العدوى التي لا تستجيب للعلاج بسهولة

    - عدم إكمال الجرعة يفتح الباب أمام البكتيريا المقاومة

    أخبار اليوم - رغم أن المضادات الحيوية تعد من أهم الاكتشافات الطبية التي أنقذت ملايين الأرواح حول العالم إلا أنها تواجه اليوم خطر فقدان فعاليتها بسبب الاستخدام المفرط والعشوائي مما أدى إلى ظهور بكتيريا مقاومة يصعب علاجها.

    وفي الأردن، تبدو هذه الظاهرة مقلقة في ظل سهولة الحصول على المضادات من الصيدليات دون وصفة، وضعف الوعي المجتمعي بطرق الاستخدام الصحيحة.

    مدير مديرية الصيدلة والصيدلة السريرية السابقة في وزارة الصحة الدكتورة زينة هلسة، أكدت في مقابلة خاصة مع "الرأي" أن مقاومة المضادات الحيوية تعتبر من أخطر التحديات التي تواجه الأنظمة الصحية عالميا ومحليا أيضا.

    وبينت أن الخطورة تكمن في أن البكتيريا نفسها تتطور مع الوقت، وتصبح قادرة على مقاومة الأدوية التي كانت تقتلها في السابق، مما يجعل العدوى أكثر صعوبة في العلاج، ويؤدي أحيانا إلى مضاعفات أو حتى وفيات كان يمكن تجنبها.

    ونوهت إلى أنه في الأردن لوحظ أن هناك زيادة في بعض حالات العدوى التي لا تستجيب للعلاج بسهولة، وهذا مؤشر يجب التوقف عنده بجدية، خصوصا في المستشفيات وبين الفئات الأكثر عرضة كالمرضى المزمنين أو من يتلقون علاجا طويل الأمد.

    وبخصوص أبرز أسباب انتشار الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية لدينا، أوضحت هلسة أن السبب الرئيس هو سهولة الحصول على المضاد الحيوي دون وصفة طبية، رغم أن هذا مخالف للتعليمات، حيث ما زالت بعض الصيدليات تصرف المضادات دون استشارة الطبيب.

    وأضافت أن ضعف الوعي لدى المواطنين من الأسباب أيضا، حيث يعتقد كثيرون أن المضاد يعالج جميع أنواع الالتهابات، حتى تلك التي سببها فيروسات مثل الزكام أو الإنفلونزا، بينما في الحقيقة هذه الحالات لا تحتاج لمضاد إطلاقا.

    كما أن إيقاف العلاج باكرا عند أول تحسن وفق هلسة، أو مشاركة الدواء مع أحد أفراد العائلة، من السلوكيات الشائعة التي تؤدي إلى تطور المقاومة البكتيرية.

    وعن أثر هذه الممارسات على فاعلية العلاج وجودة الرعاية الصحية، أشارت إلى أنه عندما تصبح البكتيريا مقاومة، فإن العلاج البسيط قد يتحول إلى معاناة طويلة، ويجبر الطبيب على استخدام أدوية أقوى وأغلى ثمنا، وقد تكون أقل أمانا أو ذات اثار جانبية أكثر.

    كما يؤدي ذلك حسب ما ذكرت هلسة إلى زيادة مدة الإقامة في المستشفيات، وارتفاع كلفة العلاج على المريض والنظام الصحي معا، مبينة إلى أن الأخطر هو احتمال فشل العلاج في بعض الحالات الحساسة، مثل العمليات الجراحية أو لدى مرضى نقص المناعة.

    واعتبرت أن وزارة الصحة تبذل جهدا كبيرا في تنظيم صرف الأدوية، لكن هناك حاجة لمزيد من الرقابة الميدانية والتوعية المستمرة، فهناك تعاون مع نقابة الصيادلة على تشديد الالتزام بعدم صرف أي مضاد دون وصفة، لكن في الوقت ذاته يجب أن رفع الوعي لدى المواطن ليصبح هو أيضا جزءا من الحل، فلا يطلب المضاد إلا عند الحاجة وباستشارة الطبيب.

    وفيما يتعلق بكيفية الحد من هذه الظاهرة على المدى القريب والبعيد، لفتت هلسة إلى أن الحل لا يكون بالمنع فقط، بل من خلال تغيير السلوك المجتمعي، فهناك حاجة إلى نشر ثقافة "الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية" عبر المدارس، والإعلام، ومراكز الرعاية الصحية.

    وتابعت بأنه يجب تدريب الكوادر الطبية على التشخيص الدقيق قبل وصف الدواء، وتوفير اختبارات تساعد على تحديد نوع العدوى بسرعة، كذلك من المهم مراقبة استخدام المضادات في تربية الدواجن والحيوانات، لأن الإفراط في استخدامها هناك يسهم أيضا في نقل البكتيريا المقاومة للإنسان عبر السلسلة الغذائية.

    ونصحت هلسة الجميع بعدم تناول أي مضاد إلا بعد استشارة الطبيب، والالتزام التام بالجرعة والمدة المحددة، وعدم مشاركة الدواء مع أي شخص، حتى لو كانت الأعراض متشابهة، مشددة على أن المضاد لا يستخدم لعلاج الإنفلونزا أو الرشح، لأنها أمراض فيروسية لا تستجيب للمضادات.

    وقالت " كل مضاد نستخدمه بلا داع هو خطوة نحو زمن يصبح فيه الدواء بلا مفعول، والمسؤولية مشتركة بيننا جميعا".

    ونبهت هلسة إلى أن المضادات الحيوية هبة عظيمة من العلم، لكنها اليوم في خطر، وعلى الجميع الحفاظ على هذه النعمة عبر الوعي والمسؤولية، لأن حماية فعالية الدواء تعني حماية حياتنا جميعا، بالإضافة إلى أن التعاون بين المواطن والطبيب والصيدلي والجهات الرقابية، هو السبيل الوحيد لتفادي أزمة صحية قد تكون مكلفة جدا على الوطن والإنسان.
  • (الرأي - سائدة السيد)