أخبار اليوم - تحت وطأة البرد القارس والرياح الشديدة، هربت شيماء سعدالله من تحت سقف خيمة مهترئة مليئة بالثقوب، محاولة حماية طفليها الصغيرين من الأمطار الغزيرة.
وتعيش شيماء (23 عامًا) مع زوجها وطفليها في مخيم إيواء عشوائي يفتقد أدنى مقومات الحياة بجوار مكب نفايات اليرموك، وسط مدينة غزة.
ولم تصمد الخيام الهشة أمام الأمطار التي انسكبت بغزارة وتسربت إليها وأغرقتها بلا هوادة. وكانت العائلة قد لجأت إلى هذا المخيم، مؤخرًا، بعد رحلة نزوح قسري خاضتها إبَّان حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.
وقالت شيماء: "لم نجد مكانًا آخر للعيش فيه سوى الخيمة.. إنها لا تحمينا من مياه الأمطار والبرد الذي يلسع أجسادنا."
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد دمر منزل العائلة الكائن في حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، ولم يعد بإمكانهم العودة إلى منطقة سكنهم بسبب وقوعها خلف ما يعرف بـ"الخط الأصفر".
وأضافت وهي تحمل طفلتها الرضيعة كنزي البالغ عمرها (6 شهور)، "منذ بداية الحرب ونحن ننتقل بين مناطق النزوح، لم يبق أمامنا أي سبيل آخر سوى العيش في خيمة، لكنها لا تحمي طفلاي، وأخشى أن تصيبهما الأمراض."
في الجوار، وقف طفلها الآخر، جود البالغ (عامين)، وأمسك بثوب والدته وهي تتحدث مع "فلسطين أون لاين"، وقد بدا واضحًا تأثر جسده الغضّ ببرودة الطقس؛ حيث يضرب القطاع الساحلي منخفض جوي عميق ترك تداعيات خطيرة على أحوال النازحين في الخيام.
وتابعت الأم، وقد أطل من عينها يأس كبير: "عندما نسمع بقدوم منخفض جوي، نشعر بالخوف والذعر.. فالحياة في الخيام صارت كابوسًا مؤلمًا."
ومكان النزوح الذي يسميه أصحابه مخيم التعاون، وتهب عليه روائح شديدة الكراهية من مكب النفايات الصلبة، يقع بجوار مبنى خرساني يتبع بلدية غزة.
ورغم أن شيماء وطفليها قد لجأوا إلى الطابق الأرضي من ذلك المبنى اعتقادًا أنه سيكون طوق النجاة من الأمطار والبرد، إلا أن مياه الصرف الصحي المتسربة من الطوابق المرتفعة المتكدسة بالنازحين، لاحقتهم أيضًا.
وتابعت شيماء: "كنت أعتقد أننا سننجو من مياه الأمطار، لكن مياه الصرف الصحي طاردتنا ونغَّصت علينا حياة النزوح القاسية."
وتدرك هذه الأم، أن خيام الإيواء لن تسعف النازحين تحت أسقفها الضعيفة بعدما غرقت مخيمات كاملة في قطاع غزة للعام الثالث على التوالي بمياه الأمطار وسط ظروف إنسانية قاسية يعيشها هؤلاء بسبب انتهاكات الاحتلال.
ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار المثقل بالخروقات الإسرائيلية، والذي دخل حيز التنفيذ يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، بعد سنتين من القتل والإبادة والتدمير الواسع، يضمن إدخال مستلزمات الإيواء من خيام جديدة وكرفانات، إلا أن انتهاكات الاحتلال حالت دون ذلك، وتركت أصحاب المنازل المدمرة يواجهون مصيرهم.
ولا تقتصر ظروف النزوح القاسية على البرد وهطول الأمطار، ففي زاوية هادئة في المخيم ذاته، حيث تتناثر خيام النازحين وتخفي تحتها قصص وحكايات مؤلمة، كانت علا عياد (23 عامًا) تبحث عن مكان مشمس لنشر ملابس أطفالها الثلاثة بعدما أغرقتها الأمطار.
وقالت لـ"فلسطين أون لاين": إن "أطفالها، ملك (4 أعوام) ومالك (3 أعوام) وعمر (عام ونصف) يموتون من البرد. فالأمطار أغرقت فراشنا وملابسنا."
وتضيف: "هذا الشتاء الثالث الذي نغرق فيه منذ بداية الحرب ونحن نفتقد الإيواء المناسب لنا ولأطفالنا. حياتنا صارت لا تطاق، ولم نعد قادرين على التحمل أكثر من ذلك."
وكانت رولا تسكن في شقة سكنية داخل مبنى متعدد الطوابق في بلدة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، لكن في اليوم الثالث للحرب التي بدأها جيش الاحتلال يوم 7 أكتوبر 2023، قصفته طائرات الاحتلال ودمرته بالكامل، ومنذ نزوح العائلة لم تتمكن من الوصول إلى منطقة سكنها.
وتابعت: "كنا نعيش حياة هادئة تتوفر فيها كل المقومات، بعد الحرب صرنا نعتمد على المساعدات، ونبحث عن كسوة لأطفالنا وأغطية تحميهم من لسعات البرد الذي يسحق أجسادهم."
ولم تفلح محاولات سمير رباح (56 عامًا) في منع مياه الأمطار من التسرب إلى مكان نزوحه في المخيم المجاور لمكب النفايات. قال لـ"فلسطين أون لاين" بغضب: "حياتنا كلها روائح كريهة وأمطار غزيرة تلاحقنا."
وأضاف رباح وهو يشير بيده إلى جدار أحاط جوانبه بشوادر من النايلون، مليئة بالثقوب، "قبل الحرب كنت أملك منزلاً من 6 طوابق في الشجاعية، لكن الاحتلال دمره ولم يعد أمامنا أي خيارات أخرى سوى هذا المكان."
وتابع: "حياتنا هنا تفتقد لمعنى الحياة. لقد أفقدتنا الحرب منازلنا ودمرت حياتنا وصرنا بحاجة إلى إغاثة عاجلة لإنقاذ ما تبقى من أرواحنا."
ومع توالي المنخفضات الجوية التي سبقت الموعد الفعلي لبدء فصل الشتاء وما يرافقه من طقس بارد وأمطار غزيرة ورياح عاتية، يحمل أهالي الخيام الأمل رغم الألم.. أمل مثقل في زمن الإبادة والتلكؤ في إغاثة المدمرة منازلهم بكرفانات تحمي الأطفال والنساء