جثث جنود الاحتلال بغزة .. قضية تتحول لأداة للمساومة والتنصل من الالتزامات

mainThumb
جثث جنود الاحتلال بغزة.. قضية تتحول لأداة للمساومة والتنصل من الالتزامات

27-10-2025 10:05 AM

printIcon

خلال الحرب قتل جيش الاحتلال 41 من المحتجزين الإسرائيليين

الحاج: الاحتلال يفضل إبقاء الجثث تحت الأنقاض كي يبقي الملف رهينة بيده

الشريف: يرفض إدخال معدات ثقيلة ليُبقي الذريعة لاتهام المقاومة بخرق الاتفاق

أخبار اليوم - تكشف عملية استخراج جثامين جنود جيش الاحتلال من تحت أنقاض مباني غزة وفي أعماق أنفاقها، عن الجانب الدموي في تعمد جيش الاحتلال استهدافهم وهم أحياء عندما قصف أماكن الاحتجاز بهدف التخلص من ملفهم.

فلم تسلم الجثث من أطماع رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي سعى لتحويلها من قضية أخلاقية تتطلب الحرص على حياتهم من جيش الاحتلال الذي قتلهم إلى قضية سياسية، فباتت تستخدم ورقة مساومة بهدف التنصل من التزامات اتفاق وقف إطلاق النار، والمماطلة في إدخال المساعدات، والمعدات الثقيلة.

وفي وقت تستنفر لجان أممية ودولية وقوى عربية وتركية لأجل البحث عن جثث 28 إسرائيليا، سلمت المقاومة ما لا يقل عن 19 جثمانا، وتبقى نحو عشرة جثامين مدفونة تحت الأنقاض وفي الأنفاق وأماكن الاحتجاز التي استهدفها الاحتلال، تكتوي قلوب أمهات 10 آلاف مفقود فلسطيني تحت الأنقاض منذ بداية الحرب، دون وجود حراك إنساني عالمي ضاغط على الاحتلال لإدخال معدات ثقيلة لانتشالهم.

وبذلت المقاومة وبإمكانيات بسيطة جهودا كبيرا في استخراج جثامين 19 أسيرا إسرائيليا، أظهرت مقاطع فيديو في إحدى المرات قيام جرافات فلسطينية بالحفر بمدينة حمد السكنية على أعماق كبيرة للوصول لجثة أسير إسرائيلي، في وقت يمنع الاحتلال إدخال المعدات الثقيلة للمساعدة في الإسراع في عملية استخراج نحو عشر جثث متبقية ومدفونة تحت عمق المباني.

وبحسب مصادر محلية، سلمت المقاومة أمس إحداثيات عن وجود جثة الضابط الإسرائيلي هدار جولدن الذي أسرته المقاومة خلال حرب 2014، وتحركت مركبات الصليب الأحمر ترافقها مركبة تابعة للمقاومة تجاه الموقع، وترجح المصادر أن تستمر عملية البحث عن جثته لمدة يومين إلى ثلاثة أيام بسبب تعرض المنطقة التي تواجد فيها لقصف وتجريف.

وخلال الحرب قتل جيش الاحتلال 41 من المحتجزين الإسرائيليين، وفي آب/ أغسطس 2024 أدعى جيش الاحتلال أنه "لم يكن يعلم بمكان وجود ستة أسرى بخان يونس قتلوا بغارات لطائرات الاحتلال"، فيما أوردت صحيفة "هآرتس" أن الجيش كان على علم بالخطر الذي يحقد بالأسرى عندما علم في المنطقة التي قتل فيها أسراه الستة.

فشل عسكري وأخلاقي

ويؤكد المختص في الشأن الإسرائيلي أمين الحاج، أن هذه القضية تكشف واحدة من أكثر الزوايا المعتمة في سلوك الاحتلال الدموي، فهو لا يكتفي بقتل الفلسطينيين فقط، بل ويقتل أيضا أسراه من جنوده عندما تتحول المعركة إلى اختبار هيبة الدولة ووحشية جيشها، مقتل 41 جنديا أسيرا في غزة بنيران جيش الاحتلال ليس حادثا عابرا، بل يعكس عقلية ترى في الجندي مجرد أداة وحين تعجز عن استعادتهم تختار دفنهم تحت الركام، لتخفي فشلها العسكري والأخلاقي معا.

وقال الحاج لـ "فلسطين أون لاين": "بهذا المعنى فإن دموية الاحتلال تفضل قتل الجندي على أن تراه أسيرا، كما في برتوكول هنيبعل، الذي فعل عدة مرات خلال عامي الحرب، وكثيرا في السابع من أكتوبر، حيث تعتبر الجثة بالنسبة لهم أقل كلفة من صورة الضعف في حال أسره حيا".

في المجتمع الإسرائيلي، تتحول الجثث إلى جرح مفتوح في الوعي الجماعي، وفق الحاج، بين عائلات تشعر أنهم خانوا شعارهم القديم الذي كان يردد الجيش بأنه لا يترك جنديا وراءه، بينما المؤسسة العسكرية تحاول تحويل المأساة إلى بطولة، وهناك انقسام حاد بين أسر تؤمن بأن أولادها ضحايا غطرسة سياسية، وأخرى تصدق رواية الجيش بأن الظروف الميدانية منعت الإنقاذ.

وفي وقت يوازي الإعلام العبري بين الحزن والتحريض، بعرض صور الجنود المفقودين لشد العصب القومي، تتصاعد أصوات ترى أن حكومة الاحتلال تستخدم دماء الجنود المفقودين لتبرير استمرار الحرب وتجنب المساءلة، ويرى الحاج أن هذه القضية هزت ثقة كثير من الإسرائيليين بجيشهم، وأظهرت أن نظرية الجيش الأخلاقي تنهار أمام اختبارات داخلية وخارجية.

وحول المماطلة في إدخال المعدات الثقيلة لغزة وإلقاء المسؤولية على المقاومة، يؤكد، أن هذا ليس عجزا فنيا بل خيار سياسي محسوب، الاحتلال يدرك أن إدخال المعدات سيكسر الحصار العسكري والإعلامي المفروض على غزة، لذلك تفضل إبقاء الجثث تحت الأنقاض كي تبقي الملف رهينة بيدها، وهذا يكشف أنها لا تريد إنهائه بل إدارته، لتستخدمه في الضغط من جانب، ولابتزاز الرأي العام الداخلي من جانب آخر من خلال القول إن "حماس تمنعنا من إعادة جثث الجنود"، وعندها ربما تصبح الحرب مطلبا بالنسبة لهم.

ويعد ذلك لعبة حسابات باردة، فيها تتحول الجثث إلى أداة للمساومة وجزء من الخطاب السياسي، وبهذا المعنى فإن الاحتلال لا يبحث عن الحقيقة ولا عن الإنسان بل يحاول صناعة صورة جديدة بعد تلك التي تهالكت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول حتى لو كان ذلك فوق جثث جنودها.

قتل متعمد

بدوره، يعتقد الناشط السياسي والمهتم بشؤون المقاومة محمد الشريف، أن ملف الجثث لم يكن أولوية لدى نتنياهو وحكومته المتطرفة، وقد صرح إيتمار بن غفير وبتسئيل سموتريش باعتبار الأسرى لدى حماس ضحايا حرب.

وقال الشريف لـ"فلسطين أون لاين" إن "نتنياهو سعى جاهدا للتخلص من هذا العبء بقتلهم وتعمد قصف أماكن تواجدهم، وهو ما تظهره تسريبات الرقيب العسكري الإسرائيلي التي كانت تشير إلى هذا الأمر"، لافتا، إلى أن من أعلن عدد الأموات والأحياء هي (إسرائيل) وليست حماس، استنادا لمعلومات استخباراتية وعملياتية ميدانية وهذا يثبت تعمد العدو قتلهم غير أن قدرة المقاومة على الاحتفاظ ببقية الأحياء ومع ضغط الجبهة الداخلية وإطالة أمد الحرب دفع ترمب للتدخل بثقله المباشر والإعلان عن وقف إطلاق النار.

ورأى أن الاحتلال يريد تثبيت قواعد ردع بغزة خارج بنود الاتفاق الموقع، بالتالي هو يحتاج لذرائع لتبرير أي خرق. "موضوع تسليم الجثث شائك ومعقد تبعا للظروف الميدانية، ورفض العدو إدخال المعدات لإزالة الركام، أمر معلوم للوسطاء والجانب الأمريكي، الذي صرح رئيسه ومبعوثه كوشنير أن تسليم الجثث غير مقيد بوقت محدد، في حين التزمت حماس والمقاومة بتسليم الأحياء خلال 72 ساعة".

ولفت الشريف إلى أن الاحتلال يرفض إدخال قوات تركية متخصصة للبحث عن المفقودين ويرفض إدخال معدات ثقيلة، ليبقي الذريعة قائمة لاتهام المقاومة بخرق الاتفاق في محاولة للهروب من الضغط الداخلي إلى الضغط على غزة سواء عبر التصعيد العسكري أو بالضغط بمنع المساعدات وإغلاق المعابر.

وعن تجاهل العالم لملف 10 آلاف مفقود فلسطيني، عده الشريف أمرا مخجلا ومؤسفا بحق الإنسانية ومن يتشدقون بحقوق الإنسان، بأن يتم تجاهل عشرة آلاف مفقود فلسطيني، دون حراك حقيقي لإدخال المعدات، ولا ينظرون بعين الرحمة لقلوب مكلومة وعيون غائرة تنتظر لحظة الوداع الأخيرة على أحبائهم.

المصدر / فلسطين أون لاين