أخبار اليوم - يكتمل بدر "القندس" العملاق؛ أو ما يُعرف بـ "السوبرمون" يوم الأربعاء المقبل عند الساعة 4:19 مساءً بتوقيت الأردن؛ أي قبل نحو ساعة وست دقائق من شروق القمر بلونه الأحمر خلف الأفق الشرقي الأردني، وفق رئيس الجمعية الفلكية الأردنية عمار السكجي.
وسيكون القمر لحظة اكتماله في برج الثور، وهو ثاني الأقمار العملاقة في العام الحالي، يليه بدر عملاق آخر في 4 كانون الأول المقبل، وهو الأخير في هذه السنة.
ويشرق البدر العملاق مساء الأربعاء، عند الساعة 5:25 مساءً من جهة الشرق، ويغرب صباح الخميس عند 6:36 صباحا من جهة الغرب، حيث يبقى ساطعا طوال ليلة الأربعاء/الخميس حسب توقيت الأردن.
وقال السكجي إن مصطلح البدر العملاق ليس مبالغة لغوية، بل هو تعبير علمي نسبي يشير إلى اكتمال القمر عندما يكون في مداره قريبا من الحضيض القمري بنسبة لا تقل عن 90%.
وأوضح أنه "في هذه الحالة، يبدو القمر أكبر بنحو 14% وأكثر سطوعا بنحو 30% مقارنة ببدرٍ عادي عند الأوج القمري، إلا أن تمييز هذا الفرق بدقة بالعين المجردة يتطلب بعض المهارات الفلكية".
ويُعرف هذا البدر في الثقافات العالمية باسم "بدر القندس" (Beaver Moon)، وهي تسمية تعود إلى قبائل الألغونكوين في أميركا الشمالية، فقد كان شهر تشرين الثاني هو الوقت الذي تنشط فيه القنادس لبناء مساكنها وأنفاقها استعدادا لفصل الشتاء، مما جعله موسمًا لصيدها والاستفادة من فرائها.
وتحمل التسمية قيمة رمزية تعبّر عن العمل الجاد والاستعداد للمستقبل، تماما كما تفعل القنادس قبل الشتاء، كما يُعرف أيضًا باسم بدر أواخر الخريف أو بدر الحفر والخدش، إشارة إلى سلوك الحيوانات التي تبدأ بحفر مساكنها استعدادًا للأيام الباردة، ويسمى أيضا بقمر الصقع أو قمر الثلج، وفق السكجي.
وأضاف أن هذا البدر يعدّ العملاق الأقرب إلى الأرض خلال العام الحالي؛ إذ تُظهر الحسابات الفلكية أن المسافة بين الأرض والقمر لحظة اكتماله يوم الأربعاء تبلغ 356,980 كيلومترًا، وهي الأقرب للأرض منذ شباط 2019، ويبلغ قطره 33.47 دقيقة قوسية، وهي قيمة تفوق قطر البدر العملاق السابق في تشرين الأول (33.06 دقيقة قوسية).
وبين السكجي أن مسافة الأوج القادمة ستكون 406,693 كيلومترًا (في 20 تشرين الثاني الساعة 5:48 صباحًا بتوقيت الأردن)، وقطره 29.38 دقيقة قوسية، في حين يبلغ الحضيض القادم 356,833 كيلومترًا (في 6 تشرين الثاني الساعة 1:29 صباح الخميس) وقطره 33.49 دقيقة قوسية.
وأوضح أن الحسابات الفلكية تُظهر قيمة النسبة المعيارية 99.7%، وهي أعلى من الحد المطلوب (90%)، مما يؤكد تصنيف بدر نوفمبر بدرا عملاقا وفق المعايير الفلكية المعتمدة.
ومن الجدير بالذكر أن الدقيقة القوسية (ستين دقيقة في الدرجة الواحدة) يمكن تقديرها بسهولة عبر عرض الإصبع الصغير (الخنصر) عند مدّ الذراع بالكامل نحو الأفق، وهي طريقة مبسطة لتقدير الزوايا والمسافات القوسية في السماء بالعين المجردة.
ويظهر البدر العملاق بلونٍ أحمر أو وردي عندما يكون قريبًا من الأفق بسبب تأثير الغلاف الجوي للأرض على ضوء القمر المنعكس من الشمس؛ إذ يمرّ الضوء عبر طبقة أكثر سُمكًا من الغلاف الجوي، فتمتص جزيئات الهواء والغبار وبخار الماء الألوان القصيرة الموجة كالأزرق والأخضر، بينما يبقى اللون الأحمر (الأطول موجة) قادرًا على الوصول إلى أعيننا، مما يجعل القمر يبدو أحمر أو ورديًا أو برتقاليًا في مشهدٍ يجمع بين جمال الطبيعة وروعة الفيزياء الجوي.
ومن سماء الأردن بعد شروق البدر، تزداد اللوحة جمالًا؛ إذ يظهر كوكب زحل يليه المشتري، بينما تتألق الزهرة، أيقونة الحب والجمال في صباح الخميس، كما يمكن مشاهدة نجم السماك الأعزل، ونجم الشعرة اليمانية، وكوكبة الجبار ببهاء نجومها وخاصة حزام الجبار، إضافةً إلى عنقود الثريا (الأخوات السبع) الذي يتوسط السماء في منظرٍ يأسر الأبصار، وفق السكجي.
ودعا هواة الفلك والتصوير إلى توثيق لحظات البدر العملاق، ولا سيّما عند شروق أو غروب البدر، حيث تتدرج ألوانه بين الأحمر والوردي والبرتقالي. ويُفضّل اختيار خلفيات سياحية أو أثرية أو طبيعية من الأردن لتكون الصور لوحةً تجمع بين جمال الطبيعة الأردنية وروعة الظواهر الفلكية.
أما من حيث التأثيرات البيئية والجيوفيزيائية، فهي محدودة جدًا. فعلى صعيد المدّ والجزر، يزداد تأثير الجاذبية القمرية قليلًا نتيجة قرب القمر من الأرض؛ ففي خليج العقبة مثلًا، وبالاعتماد على معادلة المدّ التكعيبية، يُتوقّع أن يرتفع مستوى المدّ بمقدار إضافي يتراوح بين 5 إلى 10 سنتيمترات فقط، وتقتصر تأثيراته على فروقات طفيفة كتغطية أجزاء أكبر قليلًا من الشواطئ أو الشعاب المرجانية، وقد تؤثر بشكل محدود على الكائنات البحرية في مناطق المدّ والجزر. وفي حال تزامن البدر العملاق مع منخفضات جوية قوية أو عواصف بحرية، قد يسهم في تضخيم منسوب الفيضانات الساحلية، لكنه يظل عاملًا ثانويًا.
أما على اليابسة، فالتأثير الأبرز هو زيادة الإضاءة الليلية بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالبدر العادي، وهو ما قد يؤثر قليلًا على سلوك بعض الحيوانات الليلية مثل الخفافيش والطيور المهاجرة والحشرات، وربما يُحدث اضطرابات بسيطة في النوم لدى بعض الأشخاص بسبب شدة السطوع، لكنها تبقى ضمن الحدود الطبيعية، وليس لها أي علاقة بالكوارث الطبيعية كالزلازل، وفق السكجي.
وعلى الرغم من أن البدر العملاق ظاهرة علمية طبيعية بحتة، فقد أحاطته عبر العصور خرافات وأساطير تنجيمية تربطه بالسلوكيات غير المستقرة أو الكوارث والحروب، غير أن الدراسات الحديثة أثبتت أن تأثيره الفيزيائي يقتصر على زيادة طفيفة في المدّ والجزر لا تتجاوز بضعة سنتيمترات، إلى جانب سطوعٍ أعلى للقمر. وبذلك يبقى البدر العملاق حدثًا فلكيًا بصريًا مدهشًا يذكّرنا بجمال الكون وانتظامه، لا مصدرًا لتأثيرات غامضة أو خرافية.